|| عفيف دياب
لم يكن لبنان في يوم من الأيام بعيداً عن “المخدرات” بأنواعها وأصنافها المتعددة. فهو، أقله منذ استقلاله سنة 1943، يعتبر ارضاً خصبة لزراعتها وتصنيعها وتصديرها وإستيرادها، ومعبراً استراتيجياً في أدبيات المهربين.
وفي سجل تاريخ هذه الزراعة والاتجار بها وتهريبها في لبنان، حكايات وحكايات عن طرق الاحتيال على القوانين الرادعة لها، وعن مدى نفوذ كبار مزارعيها وتجارها ومصدريها بطرق غير شرعية، في المنظومات السياسية والأمنية والقضائية اللبنانية طوال مراحل العهود السابقة للحرب الأهلية (1975-1990) وخلالها بعد أن سيطرت وهيمنت مجموعات ميليشياوية على مقدرات البلاد، وصار بعضها مزارعاً للمخدرات وتاجراً ومصدرا وصانعاً لها، وصاحبة الكلمة الفصل الاساس في ما تنتجه المخدرات وتضخه من أموال في اقتصاديات البلاد.
مخدرات لبنان
والمخدرات “اللبنانية”، زراعة محدودة بين 1943 -1975 وواسعة النطاق لاحقاً، اكتسبت شهرة واسعة لما يحوي تاريخها من قصص سيئة الصيت، وحتى طرائف مخزنة في ذاكرة تجار ومهربين سابقين تقاعدوا من هذه المهنة الاثمة لتقدمهم في العمر وتراجع نفوذهم لصالح مهربين ومزارعين آخرين. وتوصف المخدرات اللبنانية بانها الأجود عالمياً، وخصوصاً منها “حشيشة الكيف” أو القنب الهندي، كما يقول أكثر من مزارع سابق لهذه النبتة في احاديث مع الجزيرة نت.
وتعتبر مناطق شمال سهل البقاع (شرق لبنان) ارضاً خصبة وتقليدية لزراعة الحشيش منذ مئات السنين. ويقول أحد المهندسين الزراعيين في وزراة الزراعة اللبنانية( فضل عدم الكشف عن أسمه) إن التربة ومناخ منطقة سهل البقاع الشمالي عنصران مهمان لزراعة هذه النبتة، وان هذا ما أسهم في عالميتها لجودتها مقارنة بما تنتجه هذه الزراعة في دول أخرى كأفغانستان وباكستان والمغرب. ويضيف للجزيرة نت أن جغرافية المنطقة ووقوعها بين سلسلتين من الجبال العالية تعطي مناخاً موائماً لزراعة القنب الهندي إذ أن معدلات هطول الامطار وفترات سطوع الشمس ونوع التربة والمناخ القاري الجاف والبارد شتاء والحار صيفاً، كلها عوامل مساعدة اعطت قيمة لهذا المخدر اللبناني الذي تمدد خلال سني الحرب الأهلية (1975-1990) وصار لبنان مصدراً ومَعبراً لمختلف الاصناف بعد أن كان مستورداً “حاجات” سوقه لها قبل تلك الفترة.
العصر الذهبي
ويقول الصحفي الاستقصائي إبراهيم الشوباصي، إن اول بذرة من القنب الهندي وصلت إلى لبنان كانت في العام 1930 حيث هُربت كميات منها من الهند وزرعت في حقل بمنطقة اليمونة على اعتبار إنها نبتة طبية. ويضيف للجزيرة نت أن هذه الزراعة بقيت محدودة بعد أن وضع الانتداب الفرنسي يده عليها وأسس “ريجي” خاصة بها للاستفادة من هذه النبتة لأغراض طبية، وحصر عمليات الشراء والمبيع به. ويتابع الشوباصي أن هذه الزراعة توسعت لاحقاً حتى قاربت مساحة زراعتها ما يعادل مساحات زراعة البطاطا والقمح في سهل البقاع اللبناني الشمالي. موضحاً أن المساحات المزروعة قبل العام 1979 بلغت ما بين 120 إلى 150 الف دونم كانت تدر ما يعادل ثلاثة مليارات دولار سنوياً.
ومع اشتداد وتيرة الحرب الاهلية اللبنانية والفوضى العارمة التي أحدثتها، توسعت زراعة المخدرات ودخل الأفيون كزراعة جديدة بدءا من العام 1980. وقد أدى هذا النشاط إلى إتهام النظام السوري بحمايتها خصوصاً وأن قواته العسكرية والامنية كانت منتشرة تحت ما يسمى “قوات الردع العربية” في طول سهل البقاع وعرضه. وقد وضُعت دمشق على اللائحة السوداء مما اضطر نظامها إلى القيام بحملات اتلاف للحقول المزروعة بالحشيش والأفيون في المناطق المأهولة فيما بقيت المناطق النائية بعيدة عن عمليات الاتلاف.
ويقول تقرير سابق لمكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات ومكافحة الجريمة إن لبنان خلال حربه الأهلية كان المصدر الرئيس للمخدرات في منطقة الشرق الأوسط، وانه كان ينتج سنوياً ألف طن تقريباً من حشيشة الكيف، وما بين 30 إلى 40 طناً من الأفيون. ويشير في هذا الصدد الصحفي الاستقصائي إبراهيم الشوباصي إلى إن العصر الذهبي للمخدرات في لبنان، زراعة وتصنيعاً وتهريباً، كان خلال الحرب الاهلية، وأن الميليشيات المسلحة التي سيطرت على مرافق ومرافىء الدولة اللبنانية كانت تتولى عمليات التهريب عبرها إلى دول عربية وأوروبية مقابل حصولها على الأسلحة والذخائر والاموال لخوض حروبها. وقد تراجعت هذه الزراعات وعمليات التهريب بعد أن عادت الدولة اللبنانية بعد إتفاق الطائف سنة 1990 إلى بدء بسط سيطرتها على مؤسساتها وحل الميليشيات وتسليم أسلحتها إلى الجيش اللبناني.
أفول عصر “الكيف”؟
ولكن هل تراجع انتاج لبنان في زراعة وتصدير حشيشة الكيف، أم أن نجم الحبوب المخدرة صار أكثر سطوعاً وربحاً؟
يقول مسؤول أمني بارز للجزيرة نت إنه في السنوات العشر الأخيرة تراجعت نسبياً عمليات زراعة وتهريب الحشيشة لعوامل متعددة، ابرزها عمليات إتلاف المزروعات والتضييق الأمني على مصنيعها ومروجيها ومهربيها، وتدني أسعارها مقارنة باسعار الحبوب المخدرة وكلفة تصنيعها المتدنية. ويوضح أن زراعة الحشيشة تعتبر موسماً واحداً في السنة، بينما الحبوب المخدرة يمكن تصنيعها على مدار الساعة، ولذا نشطت عمليات التصنيع والتهريب لهذه الاقراص، وتراجعت الحشيشة إلى المرتبة الثانية من حيث تهريبها الى خارج البلاد.
ويقول هنا الصحفي الاستقصائي إبراهيم الشوباصي إن صناعة “الكبتاغون” التي كانت مزدهرة في سوريا وتهرب إلى لبنان ومنه إلى جهات اخرى، لا تحتاج إلى كبير عناء، بل انتاجها وتكلفتها متدنية وتهريبها سهل نسبياً، وتعطي مردوداً مالياً يعتبر جيدا حيث يصل سعر الحبة الواحدة الى حوالي الخمسة دولارات في دول عربية فيما تكلفة تصنيعها لا تتجاوز النصف دولار تقريبا.
ولا يخفي بدوره المسؤول الأمني اللبناني وجود أنشطة ملحوظة للشبكات السورية واللبنانية في تهريب الاقراص المخدرة. ويوضح أنهم لاحظوا تصاعدها بعد بدء الحرب السورية في العام 2011. ويقول إن الاجهزة الأمنية اللبنانية وتحرياتها واستقصاءاتها أفضت على سبيل المثال إلى إحباط اكثر من 90 عملية تهريب مخدرات كبيرة ( أفيون وحبوب مخدرة) خلال السنوات الثلاث الماضية. ويتابع أن ضبط السلطات السعودية مؤخراً لشحنة حبوب مخدرة موضبه داخل اكواز الرمان :” لم يكن مصدرها لبنان وانما سورية”. ويوضح في حديثه مع الجزيرة نت أن لبنان تحول خلال السنتين الماضيتين إلى محطة “ترانزيت” لتهريب الحبوب المخدرة إلى دول عربية أبرزها السعودية ومصدرها معامل تصنيع داخل الاراضي السورية غزيرة الانتاج وهي ثمرة استثمار غير شرعي مشترك بين سوريين ولبنانيين وحتى سعوديين.
ويستشهد المسؤول الامني بتقرير سابق لمكتب الامم المتحدة المعني بالمخدرات ومكافحة الجريمة. ويقول إن التقرير وصف السعودية بانها الوجهة الرئيسية والسوق الأكبر للأمفيتامين الذي يباع كأقراص كبتاغون مزيفة تهرب إلى المملكة عبر طريق الأردن وسوريا. ويتابع ناقلاً عن التقرير الأممي أنه وخلال السنوات الأخيرة تم الإبلاغ مراراً عن إستخدام الحاويات في تهريب مخدر حبوب الكبتاغون عبر الطرق البحرية.
مصادر ومعابر
وكانت عمليات ضبط تهريب اقراص الكبتاغون والأنواع الاخرى من المواد المخدرة قد ارتفعت خلال السنتين الاخيرتين. ويقول المسؤول الأمني إن القنب الأفغاني ـ مثالاً ـ يهرب بكميات كبيرة إلى البلاد العربية ودول أخرى في الشرق الاوسط، وأن الهيرويين الافغاني يصل تهريباً إلى دول عربية عن طريق تركيا فالعراق، إضافة الى طرق تهريب تبدأ من افغانستان فباكستان وجنوب إيران وصولاً إلى دول عربية. ويتابع أن مكافحة المخدرات، زراعة وتصنيعاً وترويجاً وتهريباً، هي حرب عالمية، وأن عشرات بل مئات من الاجهزة المعنية بمكافحة المخدرات تنسق في ما بينها وتتبادل المعلومات حول شبكات التهريب. ويوضح المسؤول أن لبنان أرسل مئات التقارير الأمنية خلال السنوات الثلاث الاخيرة الى عشرات الدول وخصوصا منها العربية التي نجحت في ضبط اعمال تهريب للممنوعات بفضل النشاط الأمني اللبناني. ويكشف أن ما تشهده سوريا منذ العام 2011 ادى إلى ايجاد بقاع جغرافية آمنة لتجار المخدرات ومصنيعها وبالتالي ارتفاع اعمال التهريب، كماً ونوعاً.
نمو الكبتاغون ونفوذ اصحابه
ويضيف المسؤول الامني البارز أن مصنعي ومهربي ومستوردي الحبوب المخدرة يتمتعون بنفوذ قوي داخل أجهزة أمنية في سوريا ويدفعون الرشى في عملية تنظيم تهريب حبوبهم المخدرة إلى الدول المقصودة. ويكشف هذا المسؤول أن الاجهزة الامنية السعودية تعرف ذلك جيداً و”المعلومات التي وفرناها للأمن السعودي مؤخراً أسهمت في ضبط أكثر من شحنة حبوب مخدرة مصدرها سوريا ووجهتها كانت المملكة السعودية ودول خليجية اخرى”.
مسار الكبتاغون ومصيره
ولكن، هل تُصنع حبوب الكبتاغون فقط في سوريا ويستخدم لبنان كبوابة عبور نحو دول أخرى؟ يقول الصحفي الاستقصائي إبراهيم الشوباصي إن في لبنان ما يقدر حالياً بثلاثين مصنع لحبوب الكبتاغون المخدرة. ويوضح أن في سوريا اقبية للتصنيع ولكنه مع استعار أوار الحرب هناك استدعت هروب المصنعين وآلات التصنيع البدائية إلى المناطق الحدودية اللبنانية النائية حيث بدأوا بالشراكة مع لبنانيين ببناء مصانع للحبوب تقدر بحوالي ثلاثين معملاً. ويوضح أن القوى الامنية اللبنانية اقفلت اكثر من مصنع لهذه الحبوب في مناطق نائية وحتى في اطراف بيروت. ويضيف أن تصنيع الكبتاغون في لبنان تطور ونما بدءا من العام 2018 تحديداً، وذلك بعد استيراد تقنيات متطورة للتصنيع احضرت خصيصاً من الصين.
ويقول من جهته المراسل الصحفي في سهل البقاع اللبناني أسامة القادري إن معامل تصنيع حبوب الكبتاغون المخدرة انتشرت سريعاً في منطقة البقاع. ويضيف للجزيرة نت ان هذه المعامل صغيرة الحجم والانتاج مقارنة بتلك المعامل التي توصف بانها من اكبر مصانع الكبتاغون في الشرق الأوسط وتتخذ من مناطق حدودية لبنانية – سورية متداخلة موقعاً لعملها الانتاجي. ويكشف القادري أن هذه المعامل الكبيرة، تتمتع بحمايات سياسية وأمنية من ما سماها “قوى الأمر الواقع” في لبنان ومن كبار أجهزة أمنية تابعة للنظام السوري. ويعرب القادري عن اعتقاده أن هنالك اكثر من 30 معمل صغير في منطقة البقاع واكثر من 70 معمل متوسط ووفير الانتاج في مناطق سورية متاخمة للحدود مع لبنان أو متداخلة جغرافياً بين البلدين.
نمو.. وتبعات سياسية؟
هذا النمو في تصنيع الكبتاغون في لبنان والاستفادة من الخبرات السورية في اعمال “الطبخ والتصنيع والتوضيب والتهريب”، وضع لبنان في مصاف الدول العربية المتقدمة في هذه الصناعة المخدرة وعلى اللائحة السوداء.
ولم يخل هذا التطور الكمي من ابعاده السياسية ووضع قوى سياسية وحزبية لبنانية في مقدمة المتهمين بحماية هذه الصناعة، وصولاً إلى حد اتهامها باقامة مصانع خاصة بها لتأمين التمويل لمشاريعها السياسية. ويقول متابعون إن مصنعي ومهربي الحبوب المخدرة يتمتعون بنفوذ قوي لدى شخصيات سياسية مقربة من أحزاب وشخصيات نافذة في السلطة اللبنانية، ولدى مجموعات سورية مسلحة (موالية ومعارضة للنظام) توفر الحماية الأمنية لهذه الشبكات مقابل تمويلها. ويقول مسؤول أمني لبناني كبير إن معامل تصنيع الحبوب المخدرة في لبنان صغيرة الحجم والانتاج مقارنة بتلك الموجودة في سوريا وعلى مقربة من الحدود مع لبنان. ويوضح أن السلطات الأمنية اللبنانية “فككت خلال السنتين الماضيتين نحو 17 معملاً صغيراً في سهل البقاع، وأن عدد الموقوفين تجاوز المئتي شخص”. ويضيف المسؤول الأمني أن المواجهة بين القوى الأمنية وشبكات تصنيع وترويج وتهريب المخدرات على انواعها، جارية على مدار الساعة. نافياً بشدة ما يحكى عن وقوف أحزاب لبنانية خلف هذا التصنيع أو التصدير. ويقول إن التحقيقات الأمنية والقضائية لم تثبت وجود ادلة على وقوف أحزاب خلف شبكات المخدرات، ولكنه لا يخفي في المقابل وجود مناصرين أو مؤيدين لهذه الاحزاب يستغلون مناصرتهم لتنفيذ مشاريعهم بصناعة وترويج الحبوب المخدرة واستغلال علاقاتهم الشخصية مع قادة في الأحزاب لتنفيذ اعمالهم غير المشروعة وحمايتها. ويؤكد أن الأجهزة الأمنية اللبنانية لا تقف عند هذه الاعتبارات. ويقول المسؤول الأمني إن جهازه يتلقى عشرات الاتصالات من شخصيات سياسية وحزبية وإجتماعية نافذة لغض النظر عن هذا المتهم أو ذاك الموقوف بتهم تصنيع او ترويج وتصدير ممنوعات و”لكن القرار السياسي والأمني واضح وصارم جداً بمنع هكذا تدخلات، وخصوصاً بعد ان منعت السعودية تصدير المنتجات الزراعية إليها وتأثير ذلك على الاقتصاد الوطني اللبناني”. ويكشف هذا المسؤول أن بلاده وفرت مؤخراً معلومات لجهات اوروبية وعربية أسهمت في ضبط مخدرات مهربة إلى اليونان فسلوفاكيا. موضحاً أن هذه العملية هي ثمرة تعاون لبناني – سعودي – يوناني. ويقول لقد نفذ الأمن اللبناني في أقل من عشرة أشهر عمليات أمنية إستباقية حققت نجاحات في كشف عمليات ضخمة لتهريب المخدرات سيعلن عن بعضها لاحقاً.
“حقن” سياسي
ويرى من جهته الناشط السياسي في مدينة بعلبك (شرق) حكمت شريف إن عمليات تصنيع الكبتاغون في لبنان سجلت نشاطا كبيراً في السنوات العشر الأخيرة. ويقول للجزيرة نت إن هذه الحبوب “ليست بدعة وخبرة لبنانية” وإنما من يقوم بها هم من السوريين لما يتمتعون من خبرات تصنيعية. ويضيف أن الاتهامات الموجهه لاحزاب لبنانية بانها تقف خلف هذه الصناعة المخدرة وتنظيم اعمال تهريبها إلى دول عربية هي “مجرد اتهامات سياسية، فحزب الله على سبيل المثال لا يحتاج إلى المخدرات لتمويل اعماله ومهامه”. ويقول شريف إن الحزب يحّرم دينياً وسياسياً وإجتماعياً زراعة المخدرات أو تصنيعها أو الاتجار بها، وأن هناك أدلة كثيرة على هذا القرار الصارم. ويقول إن الحزب طرد من صفوفه أكثر من شخص لمجرد الشبهة بانهم يقومون بزراعة الحشيش أو تصنيع الكبتاغون. ويرى شريف أن الاتهامات للحزب متأتية من غايات سياسية للضغط عليه ومواجهة ما يعتبرونه مشروعه السياسي المحلي وفي الاقليم، وبالتالي ـ يضيف شريف – ان كل هذا الضغط الاعلامي والسياسي ضد الحزب واتهامه بالوقوف وراء تجارة الكبتاغون ما هو الا “حقن” للرأي العام للوقف ضد حزب الله ومحوره السياسي.
ويقول من حهته الباحث في الشؤون الزراعية والتنمية في منطقة بعلبك – الهرمل (شمال – شرق) رامح حمية إن الاتهامات الموجهة لحزب الله أو لاحزاب لبنانية اخرى لا تعدو كونها اتهامات سياسية . ويرى أن الحزب يقف في “خانة قمع” زراعة المخدرات وتصنيعها في المنطقة، وان وقوفه ضد قانون تشريع زراعة الحشيشة لاغراض طبية والذي اقره البرلمان في ابريل 2020، لم يكن مستحباً من قبل جمهوره في المنطقة. ويضيف أن زراعة وصناعة المخدرات في لبنان ليست حكراً على منطقة واحدة، أو على بيئة إجتماعية معينة، بل أن هذه الزراعة والصناعة والاتجار بها تمتد على مساحة الجغرافية اللبنانية. ويقول حمية إن قراءة سريعة لتقارير قوى الأمن عن توقيفاتها ومصادراتها وضبطها لأعمال التهريب، تعطي صورة واضحة أن العاملين في هذا المجال غير القانوني من كل الاطياف الاجتماعية اللبنانية وهوياتها السياسية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
حقول الكيف:
ـ يبدأ موسم زرع بذار “القنبز” أو القنب الهندي من منتصف شهر مارس والحصاد في النصف الثاني من سبتمبر من كل عام.
ـ تقدر المساحات المزروعة اليوم بالقنب الهندي او حشيشة الكيف بحوالي 35 الف دونم في مناطق مختلفة من شمال سهل البقاع (شرق لبنان).
ـ لا تتجاوز كلفة زراعة الدونم الواحد اليوم 60 دولاراً
ـ يقدر إنتاج الدونم الواحد (المروي) ما بين 2 الى 3 قنطار من الحشيشة، بينما يقدر انتاج الدونم الوحد غير المروي بحوالي القنطار وهذا يعتبر من اجود انواع حشيشة الكيف، ويصنف انه من الاجود عالمياً.
ـ يعطي القنطار الواحد ما بين 3 إلى 4 ما يعرف باسم “الهقة” (وحدة وزن تقدر بـ1250 غراماً)
ـ سعر ما يسمى بـ”هقة” الحشيش (1250 غ.) حوالي 40 دولار أو حسب سعر صرف.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محطات
ـ ابريل 2020 : البرلمان اللبناني يقر في جلسة تشريعية قانون زراعة القنب الهندي (الحشيش) لأغراض طبية. ويسمح هذا القانون بتشريع هذه الزراعة المحصورة تاريخياً وجغرافياً في شمال سهل البقاع شرق البلاد.
ـ مارس 2020 : قوى الأمن الأمن الداخلي تعلن عن إحباط أكبر عملية تهريب مخدرات في تاريخ البلاد بعد ضبط 25 طناً من حشيشة الكيف محملة في 8 شاحنات كانت في طريقها إلى مرفأ بيروت ومنه إلى دول إفريقية.
ـ أبريل 2021 : السلطات السعودية تعلن ضبط اكثر من 5 ملايين حبة كبتاغون في ميناة جدة محشوة في “أكواز” الرمان قادمة من لبنان.
ـ ابريل 2021 : السعودية تعلن حظر استيراد الفواكه والخضر من لبنان.
ـ ابريل 2021 : قوى الأمن تعلن ضبط 11 كيلوغراما من الكوكايين في مطار بيروت مصدرها البرازيل.
ـ مايو 2021 : قوى الامن الداخلي في لبنان تعلن ضبط ما يفوق 3500 ظرف وعلب بلاستيكية بداخلها مخدرات موضبة بطريقة غخ=حترافية ومعدة للترويج المحلي
ـ مايو 2021 : قوى الأمن تضبط حوالي 4 اطنان من حشيشة الكيف في مرفأ مدينة صيدا (جنوب) كانت معدة للتصدير بحراً إلى مصر
ـ يونيو 2021 : السلطات اللبنانية تعلن ضبط كمية من حبوب الكبتاغون في مطار بيروت كانت معدة للتهريب إلى السعودية مخبأة داخل مولدات كهربائية.
ـ يونيو 2021 : السلطات الامنية اللبنانية تلقي القبض على 3 لبنانيين ممن لهم صلة بعملية تهريب الكبتاغون باكواز الرمان إلى السعودية.
ـــــــــــــــــــــــ
مخدرات لبنان في الفن والغناء
دخلت زراعة المخدرات والاتجار بها في لبنان الأعمال الغنائية والمسرحية في البلاد خلال سبعينيات القرن الماضي. رواج هذه الزراعة واخفاق السلطات في قمعها ومنعها والحد منها، اعطت تمادياً لكبار المزارعين والتجار في ابتداع اساليب وآليات التهريب إلى خارج لبنان. ففي العام 1972 نجح أحد كبار المزارعين السابقين في سهل البقاع في استخدام مدرج مطار مترهل بالمنطقة يعود لحقبة الانتداب الفرنسي على لبنان، وانارته ليلاً لتأمين هبوط آمن لطائرة. نجحت خطته وهبطت الطائرة واقعلت نحو مطار اثينا محملة باكثر من 400 كلغ من حشيشة الكيف حيث ضبطتها السلطات اليونانية هناك بعد اتصال من الجانب اللبناني اثر كشف هبوط واقلاع الطائرة. شكلت هذه العملية النوعية فضيحة للسلطات اللبنانية يومذاك التي فتحت تحقيقات أمنية وقضائية متشعبة، وأوقفت منظم العملية واودعته السجن الذي استطاع الفرار منه بعد رشى تلقاها حراسه. وقد تحولت هذه الحادثة إلى مشهد غنائي في مسرحية “المحطة” للاخوين رحباني والسيدة فيروز، والتي عرضت على خشبة المسرح في بيروت سنة 1973. وقد حملت الاغنية عنوان : بهالبلد كل شي بيصير” ويقول أحد مقاطعها:
عنا سهلة (سهل) بخلف الدار
بالليل صارت مطار
صاروا يجوا الطيارات
وحدة تغط (تهبط) ووحدة تتطير
بهالبلد كل شىء بيصير.
التهكم على اخفاق السلطات في ضبط ومنع زراعة المخدرات والاتجار بها، لم يقتصر على هذه الاغنية، بل عبّر الفنان المسرحي والمؤلف الموسيقي زياد الرحباني في اعماله المسرحية والاذاعية عن سخريته اللاذعة من فشل السلطات في ايجاد بدائل عن زراعة المخدرات في سهل البقاع (شرق). كما نظمت لحشيشة الكيف اللبنانية اغنيات عدة تحمل في مضامينها دعماً أو ذماً أو قدحاً ساخراً ، كأغنية “دورها دور” لعائلة بندلي الموسيقية. وقد لاقت هذه الاغنية رواجاً شعبياً كبيراً الى حد وصفها بـ”نشيد الحشاشيين” وهي لا تزال تبث منذ مطلع الثمانينيات في محطات الاذاعات اللبنانية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الجزيرة نت
11-8-2021
POST A COMMENT.