احتجاجات لبنان تتصاعد.. ما علاقتها بـ”قانون قيصر”؟

عفيف دياب || الجزيرة نت ||
تشهد العاصمة اللبنانية بيروت ومدينة طرابلس شمالا ومناطق لبنانية أخرى منذ أيام، موجة من الاحتجاجات، تطالب أساسا بأن تتخذ الحكومة والقوى المشكلة لها قرارات مصيرية وحاسمة فيما يخص الوضع الاقتصادي المتدهور.
وكانت الاحتجاجات اندلعت الخميس الماضي في عدة مدن بعد انهيار الليرة التي فقدت حوالي 70% من قيمتها منذ أكتوبر/تشرين الأول، عندما غرق لبنان في أزمة مالية تسببت في تدهور الأحوال المعيشية.
وشهد وسط العاصمة مواجهة استمرت ساعات بين محتجين وقوات مكافحة الشغب. وتعرضت عشرات المؤسسات والمحال التجارية لعمليات تخريب وحرق من قبل “أطراف مجهولة”، بحسب نشطاء في الحراك الشعبي.
وربط محللون في بيروت بين هذا الاحتجاج المجهول الهوية وبين صراع مختلف أجنحة النظام السياسي على قضايا متعددة تتعلق بكيفية إدارة الأزمة، إضافة إلى ارتدادات “قانون قيصر” الأميركي ضد النظام السوري على الداخل اللبناني.
وبالتزامن مع هذه الاحتجاجات، اندلعت مواجهات في طرابلس، حيث سجلت عمليات كرّ وفرّ بين القوى الأمنية والمحتجين الذين أوقفوا شاحنات محملة بالمواد الغذائية تتجه نحو سوريا، معتبرين أنها مخصصة لدعم النظام.
وأوضح هؤلاء المحللون أن احتجاجات عاصمة شمال لبنان كانت لأهداف ذات علاقة بالصراع بين الموالين للحكومة والمعارضين لها، إضافة لإثبات الحضور بين أجنحة تيار المستقبل المتصارعة على زعامة التيار في المدينة وخارجها.
وفي حديثه للجزيرة نت، يقول أحد نواب طرابلس السابقين -مفضلا عدم الإفصاح عن اسمه- إن جزءا مما جرى في المدينة هو صراع بين الشقيقين سعد وبهاء الحريري على زعامة تيار المستقبل، وقد انحرف هذا الاحتجاج عن مقصده وتحول إلى مواجهة مع الجيش والقوى الأمنية.
احتجاجات و”انقلاب
واستدعت هذه الاحتجاجات -التي أخذت أبعادا طائفية في بيروت- عقد المجلس الأعلى للدفاع جلسة في القصر الجمهوري، ترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون وحضره رئيس الحكومة حسان دياب وكبار القادة الأمنيين في البلاد.
وقال عون في الاجتماع إن “الأعمال التخريبية التي حصلت مؤخرا واتخذ بعضها بعدا طائفيا ومذهبيا، لم تعد مقبولة”، وإنها تنذر بمضاعفات خطيرة، مشددا على ضرورة اعتماد ما سماها العمليات الاستباقية لتوقيف المخططين والمحرضين على الأعمال التخريبية.
من جهته، قال رئيس الحكومة حسان دياب -في الاجتماع نفسه- إن ما حصل في البلاد أمر غير طبيعي، معتبرا أن هناك قرارا في مكان ما هدفه العبث بالسلم الأهلي، وأضاف أن ما يجري “ليس احتجاجا ضد الجوع، بل عملية تخريب”.
وكان دياب قال في خطاب وجهه للبنانيين السبت الماضي إن ما شهده لبنان كان محاولة انقلاب للإطاحة بحكومته.
ووجه أصابع الاتهام إلى معارضيه، دون أن يسميهم، وفي مقدمتهم رئيس الحكومة السابق سعد الحريري ومن خلفه زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط ورئيس حزب القوات سمير جعجع.
وقال دياب في الكلمة التي وجهها للبنانيين إن كل “الاجتماعات السرية والعلنية والاتفاقات فوق الطاولة وتحتها، وأوامر العمليات الداخلية والمشتركة، لم تنجح في الإطاحة بورشة اكتشاف الفساد”.
تظاهرات “مبرمجة
وإزاء هذه التحركات وما نجم عنها من استهداف لمؤسسات تجارية في وسط بيروت وشاحنات نقل لمواد غذائية إلى سوريا -تبين لاحقا أنها تابعة لبرنامج الأغذية العالمية مرسلة للنازحين السوريين داخل بلدهم- تعددت القراءات في لبنان حول ما جرى.
وركزت هذه التحليلات على أن ما شهدته بيروت كان رسالة واضحة لحاكم البنك المركزي لضخ دولار في الأسواق، قد يستفيد منها النظام السوري بصورة غير مباشرة قبيل بدء تطبيق “قانون قيصر” الأميركي ضد نظام بشار الأسد.
وينص قانون “قيصر لحماية المدنيين السوريين” على فرض عقوبات على النظام السوري، وكل من يدعمه ماليا أو عينيا أو تكنولوجيا.
ويرى المحلل السياسي سعد كيوان أن ما شهده لبنان خلال الأيام القليلة الماضية من تظاهرات وعمليات تخريب طالت مؤسسات تجارية في وسط العاصمة، هدفه الفعلي هو ممارسة الضغط على حاكم البنك المركزي ومن يدعمه سياسيا، لضخ كميات من الدولار في السوق بحجة دعم العملة الوطنية.
وأضاف أن ما يجري هو “في حقيقة الأمر ضغوط استخدمت في الشارع  لضخ ملايين الدولارات، ليتم إدخالها إلى سوريا قبل بدء سريان قانون قيصر، وبالتالي دعم النظام السوري أكثر من دعم الليرة وحمايتها من الانهيار”.
ويضيف للجزيرة نت أن لبنان -على سبيل المثال- كان يدفع سنويا بدل دعم المحروقات والطحين حوالي ملياري دولار، بينما يدفع اليوم أكثر من 4 مليارات دولار، وهو ما “يؤشر على مدى استفادة النظام السوري من عمليات التهريب من لبنان عبر المعابر غير الشرعية”.
ويرى كيوان أن مشاركة مؤيدي أحزاب في الحكومة في المظاهرات الأخيرة، والهتافات ضد حاكم البنك المركزي بالتزامن مع انخفاض غير مسبوق لليرة أمام الدولار، هو “تعبير عن هواجس مقلقة فعليا لحلفاء سوريا في لبنان، من بدء دخول قانون قيصر حيز التنفيذ وانعكاسه السلبي عليهم سياسيا وماليا”.
مواجهة هادفة
من جانبها، تقول الكاتبة الاقتصادية محاسن مرسل إن ما جرى في بيروت وحتى في طرابلس خلال الأيام الماضية هو للضغط الفعلي على مصرف لبنان، لضخ العملة الخضراء في السوق، وهذا ما سيستفيد منه النظام السوري، مضيفة للجزيرة نت أن الدولارات التي ستضخ في السوق ستكون محطتها النهائية سوريا.
بدوره، يرى الكاتب الصحفي داود رمال أن ما شهده لبنان من احتجاجات متعددة كان بمثابة مواجهة بين قوى التغيير والطبقة السياسية الحاكمة التي انتصرت وربحت جولة بإعادة تثبيت حاكم مصرف لبنان في موقعه، بعدما تعهد بضخ دولارات في السوق. ويضيف للجزيرة نت أن المنظومة السياسية والدينية في البلاد أمنت الحماية لحاكم البنك المركزي بعد أن تعهد بالتزامات ترضي الطبقة الحاكمة.
15\6\2020

Facebook Comments

POST A COMMENT.