عفيف دياب ||الجزيرة نت
يعيش لبنان أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة، فالحراك الشعبي الذي لم يتوقف عن مطالبته منذ 45 يوماً بحكومة إنقاذ وطني تعمل على إيجاد حلول سريعة للأزمتين المالية والاقتصادية، تقابله الطبقة السياسية الحاكمة -كما يسميها الحراك- التي تقف عاجزة عن إنتاج حكومة جديدة تضع خططا سريعة للحد من تردي الوضع الاقتصادي.
دين كبير وثقيل
لبنان الذي تثقل كاهله القيمة المرتفعة للدين العام، صار قاب قوسين أو أدنى من الدخول في الفوضى الاقتصادية، كما يقول الخبير المالي جاسم عجاقة للجزيرة نت، فقد بلغ الدين العام حوالي 86 مليار دولار، ويتوقع له الارتفاع مع نهاية العام الحالي إلى 88 مليار دولار.
أرقام تقض مضاجع اللبنانيين الذين نزلوا إلى الشارع مطالبين بوضع خطط حكومية وتشريعات قانونية تحد من تفاقم هذه المديونية التي أدخلت البلاد في متاهة، وتنذر بتفاقم الأزمة المالية التي يعيشها لبنان وارتدادتها السلبية على الاقتصاد الوطني والسلم الاجتماعي، سيما وأن إجراءات وتدابير المصرف المركزي وجمعية المصارف مع بدء الحراك الشعبي قبل 45 يوماً تتحدث فعلياً -حسب خبراء ماليين- عن أزمة مالية عميقة يعيشها لبنان.
انكماش اقتصادي
وحسب الأرقام التي يقدمها عجاقة وفق دراسات مصرفية، فإن الدين العام ينقسم إلى داخلي وخارجي، موضحاً أن قيمة الدين الخارجي يبلغ حوالي 25 مليار دولار من مجمل الدين العام.
وأشار إلى أن لبنان يدفع سنوياً ما قيمته ستة مليارات دولار خدمة للدين العام ورأسماله، لافتاً إلى أن عجز الموازنة عام 2018 بلغ ما نسبته 6.24 مليارات دولار، والتوقعات نهاية العام 2019 حوالي 4.1 مليارات دولار.
ويضيف عجاقة إلى أن النمو عام 2018 بلغت ما نسبته 0.2% وفي العام 2019 يتوقع نموا بنسبة 0.5%. ويقول عجاقة إن لبنان دخل في مرحلة الانكماش، مبدياً تخوفه من ما سماها فوضى اقتصادية.
احتياط نقدي في خطر
وحسب أرقام المصرف المركزي فإن احتياط النقد الأجنبي لديه بلغ في سبتمبر/أيلول الماضي 38.5 مليار دولار، ولكن مع دخول البلاد في أزمة شح الدولار إثر تصنيف لبنان الائتماني في أغسطس/آب الماضي، أخذت هذه الأزمة أبعاد “الهلع بين المودعين” -حسب وصف عجاقة- والتداعيات الاقتصادية التي ظهرت جراء شح الدولار لا سيما في عمليات الاستيراد.
ويقول عجاقة إن لبنان يستورد ما يزيد على 50% من الاستهلاك، موضحاً أن عجز الميزان التجاري خلال الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي بلغ حوالي 11.4 مليار دولار “ما يوازي 21% من الناتج المحلي” وهذا العجز سيؤثر سلبا على احتياط مصرف لبنان من العملات الأجنبية، على حد تعبيره.
مصدر العملات الأجنبية
ويعتمد لبنان في مدخولاته من العملات الأجنبية على الصادرات والسياحة وتحويلات المغتربين، في حين يتم الإنفاق على الاستيراد والكهرباء من خلال شراء الوقود المخصص لإنتاج الطاقة، وتحويلات العاملين في البلاد، والاستثمارات والتلزيمات الخارجية.
ويقول عجاقة إن استيراد لبنان بلغ الأشهر الثمانية الأولى من العام الحالي 11.4 مليار دولار، وإن هذه السلع والبضائع المستوردة جرت على السعر الرسمي لصرف الليرة مقابل الدولار وكانت تؤمنه المصارف الخاصة.
ولكن الأمور تبدلت حسب عجاقة منذ سبتمبر/أيلول الماضي حيث أخذت المصارف تفرض قيودا على تسليم الدولار للمستوردين مما دفعهم إلى شرائه من السوق السوداء أو الصيرفة، وهو ما انعكس على نسب الاستيراد وارتفاع الاسعار.
أزمة مالية وتسديد ديون
ورغم ما يعانيه لبنان من أزمة مالية وشح في الدولار لم يتأخر في تسديد ما يستحق عليه من ديون، إذ سدد قبل عدة أيام ما قيمته 1.5 مليار دولار من سندات اليوروبوند المستحقة عليه.
ويقول الصحفي الاقتصادي محمد وهبي إن هذه الخطوة “مستغربة” من قبل مصرف لبنان الذي أبدى حرصه على تسديد هذا الدين في وقت تمتنع فيه المصارف عن تسديد قيمة ودائع اللبنانيين بذريعة عدم توفر سيولة بالدولار.
أما العام المقبل فهناك ثلاثة سندات من اليوروبوند تستحق على لبنان وهي بقيمة 1.2 مليار دولار في مارس/آذار، وسبعمئة مليون في أبريل/نيسان، وستمئة مليون في يونيو/حزيران، وقال المصرف المركزي في بيان له إنه مستعد لسداد استحقاقات الدين العام عند حلولها من أجل حماية الاستقرار المالي للدولة.
اللبنانيون وودائعهم
وقد خفضت المصارف اللبنانية عمليات سحب الدولار من قبل المودع إلى حدود وصلت حتى ثلاثمئة دولار في الأسبوع، وتمتنع عن سداد أموال المودعين إلا بشيكات مصرفية يمكن تداولها فقط بين المصارف ولا يسمح بتحويلها إلى الخارج.
ووفق دراسات لخبراء ماليين فإن 2.5% من المودعين يملكون 65% من الودائع في المصارف اللبنانية، وقد يؤدي هذا الاختلال إلى تفاقم الأزمة الاجتماعية التي يعاني منها لبنان.
الأسوأ قادم؟
وقال ساروج كومار جاه المدير الإقليمي للبنك الدولي في لبنان -بعد اجتماع مع رئيس الجمهورية ميشال عون إن لبنان ليس لديه الرفاهية لإضاعة الوق لمعالجة القضايا الملحة. وأضاف أن البنك الدولي كان قدر اللبنانيين الفقراء عام 2018 بحوالي الثلث، في حين كانت نسبتهم تبلغ 27.4 % عام 2011-2012. وأشار المدير الإقليمي للبنك الدولي إلى أن القادم يمكن أن يكون أسوأ إن لم تتم المعالجة فورا، وأنه يمكن أن ترتفع نسبة الفقر إلى 50% إذا تفاقم سوء الوضع الاقتصادي. وأوضح أن معدل البطالة، خاصة بين الشباب المرتفع أصلاً، قد يرتفع أكثر وبشكل حاد، آملا من السلطات اللبنانية أن تتدخل لوقف الأزمة الاقتصادية الناشئة واستعادة الثقة في الاقتصاد.
2\12\2019
POST A COMMENT.