عفيف دياب || احتفل اللبنانيون مساء الاحد (17 ت الثاني) بمرور شهر على انتفاضتهم الشعبية ضد الطبقة السياسية الحاكمة، وتجمعوا في ساحات المدن والبلدات الكبرى، خاصة بيروت وطرابلس وصيدا، تلبية لدعوة مجموعات الحراك بتنظيم الاحتفالية تحت عنوان “أحد الشهداء”، الذين سقطوا في هذه الانتفاضة.
وتزامنت الاحتفالات مع تصاعد الخلافات بين أركان السلطة السياسية التي تقف -كما يقول مراقبون- “عاجزة عن إيجاد حل يحفظ ماء وجهها، وتعيد إنتاج حكومة جديدة، وفق برنامج أحزاب السلطة التي أخفقت خلال الساعات الماضية في التوافق على اسم الوزير الأسبق محمد الصفدي رئيسا للحكومة الجديدة”.
ويعد أصحاب هذا الرأي إخفاق السلطة في تحديد موعد الاستشارات النيابية الملزمة، وتسمية شخص بتأليف الحكومة، بعد استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري تحت ضغط الشارع؛ “دليلا واضحا على الصراع الداخلي الذي تعيشه قوى السلطة، كثمرة من نتائج الانتفاضة الشعبية التي جاء استمرارها مفاجئا لأحزاب وتيارات كانت تعتقد أن الانتفاضة قد لا تستمر أكثر من أسبوع واحد”.
حراك بأشكال متنوعة
وفي السياق، يقول الأستاذ الجامعي علي مراد -الناشط في الحراك الشعبي- للجزيرة نت إن الانتفاضة الشعبية التي اتخذت أشكالا متنوعة في التعبير عن مطالبها، من قطع للطرق ومحاصرة مؤسسات عامة وتنظيم لقاءات حوارية ونقاشات سياسية واقتصادية، وحفلات فنية وموسيقية؛ “حققت مجموعة من الأهداف المباشرة وغير المباشرة”.
وفي جولة ميدانية للجزيرة نت على ساحات الاعتصام في العاصمة بيروت، تظهر بوضوح الشعارات التي رفعها اللبنانيون، وفي مقدمتها تشكيل حكومة إنقاذ وطني تعمل على إعداد قانون عصري للانتخابات البرلمانية، وإجراء انتخابات مبكرة، ولا تنتهي عند مطالبة البعض بسقوط كامل للنظام السياسي-الطائفي الذي يحكم ويدير البلاد منذ الاستقلال سنة 1943.
وفي ساحتي الشهداء ورياض الصلح (وسط بيروت)، كان شعار “فليسقط النظام” الأكثر طغيانا على الجدران المحيطة بالساحتين، إضافة إلى أن مطلب “إلغاء الطائفية السياسية” بات هدفا وطنيا أساسيا تجسد في شعار “كلن يعني كلن”.
ومن بين المطالب والشعارات التي يرفعها المحتجون أيضا “استرجاع الأموال المنهوبة” و”قوانين تحمي المرأة” و”لا ثقة”، وانتفاضة “من أجل مواجهة الأزمة الاقتصادية” و”دفاعا عن لقمة العيش” و”اللبنانيون أصدقاء والزعماء جعلوهم أعداء”.
ويقول مراد علي إن “ما حققته الانتفاضة في شهر هو إنجاز غير مسبوق وتاريخي”، مضيفا أن هذه هي المرة الأولى التي ينزل فيها اللبنانيون إلى الشوارع “كمواطنين وأفراد وليس كأحزاب وطوائف ومناطق”.
ويضيف أن “هذه الانتفاضة لحظة تأسيسية للبنان، أعادت الاعتبار إلى العمل السياسي وانتشاره الوطني”، مؤكدا أن “الطبيعة اللامركزية للانتفاضة كانت عاملا حاسما، وتعد من إنجازاتها على المدى القريب والبعيد واللبنانيون الذين استعادوا الساحات العامة وجدوا فيها مساحات لحرية التعبير عن هواجسهم وقلقهم على الوطن والمصير”.
منجزات
ويعتبر مراد أن لبنان “صار اليوم ساحة كبيرة للناس تتفاعل مع بعضها البعض بشكل لم نعهده، وهذا التفاعل أسقط ورقة اقتصادية لسلطة تمعن في الفساد، وأسقط حكومة في أسبوعين، ووأد التحريض الطائفي والمذهبي الذي تحسن السلطة استخدامه لزرع الشقاق بين المنتفضين”.
ويضيف أن “الثورة استطاعت بصمودها إفشال عقد جلسة للبرلمان خارج السياق، وخارج أي منطق تشريعي لمصلحة المواطنين، وأبطلت ترشيح محمد الصفدي، أو الاتفاق عليه كرئيس لحكومة أمر واقع أو فرضه بالقوة”.
ومن إنجازات الانتفاضة -حسب مراد- أنها “كانت صوتا للطلاب الذين لعب حضورهم الدور الأكبر في ديمومة الحراك، وأثبت وجودهم أنهم الفعل وليس خارجه، كما كان يظن من في السلطة، كما برزت المرأة اللبنانية في لعب دورها، فـ”النساء لعبن دورا رئيسيا في الانتفاضة ووضع سلم حراكها”.
أما نضال خالد الباحث والناشط في الانتفاضة، فيعتبر أنها تتواصل بلا قيادة، ولم تكترث لدعوات قادة في السلطة بتشكيل وفد يفاوض رئيس الجمهورية حول مطالب الحراك الشعبي، وهذا ليس نابعا من عدم قدرة الانتفاضة على تشكيل قيادة لها؛ فاللبنانيون يفضلون عدم وجود قيادة لانتفاضتهم، لأنهم متفقون على الأهداف، ولأن المعاناة من الطبقة الحاكمة واحدة ولا تتجزأ”.
ويضيف في حديثه للجزيرة نت أن “أكثر ما يربك السلطة هو عجزها الفعلي في الإطباق على الانتفاضة لأنها بلا قيادة أو قائد، وما جرى في انتخابات نقابة المحامين وإخفاق أحزاب السلطة في إيصال مرشحها لمنصب النقيب يؤكد أن الانتفاضة بدأت تؤتي ثمارها ولا يمكن للسلطة أن تحبس أو تعتقل كل الناس”.
الجزيرة نت
18\11\2019
POST A COMMENT.