عفيف دياب || عمّت المظاهرات المنددة بالسياسات المالية والاقتصادية جميع أنحاء لبنان لليوم الثالث على التوالي، حيث وصفها مراقبون بأنها الأولى من نوعها من حيث كثافة المشاركين فيها وانتشارها الجغرافي والمناطقي والديمغرافي، ومن حيث لا مركزية الاحتجاجات التي توحدت تحت عنوان واحد هو إسقاط الحكومة ورموز السلطة اللبنانية وقواها الحزبية.
وقد شهد وسط بيروت في ساحتي الشهداء ورياض الصلح قبالة القصر الحكومي، توافد أعداد كبيرة من المحتجين الذين تجمعوا رافعين العلم اللبناني ومطلقين شعارات منددة بالحكومة والسلطة قاطبة.
ويقول الناشط في الحراك المدني حسان الزين للجزيرة نت إن أكثر ما يميز مظاهرات لبنان “ابتعادها عن أحزاب السلطة أو القوى الحزبية الأخرى”، موضحا أنها لم تفرز قياداتها بعد، وهي تتميز بشعاراتها والتعبير الواحد عن “الوجع” من تردي الأوضاع الاقتصادية والمالية.
ويضيف الزين أن هذه التحركات الاحتجاجية التي عمّت كل لبنان تخطت الحواجز التي كانت تضعها قوى وأحزاب السلطة بين اللبنانيين طائفيا ومناطقيا وطبقيا، مشيرا إلى أن المتظاهرين قالوا للسلطة من خلال تحركهم السلمي “لا تستغلوا الانقسامات الطائفية للرد على تحركنا الوطني الشامل”.
والمظاهرات التي اندلعت في كل لبنان يوم الخميس الماضي بعد إعلان وزراء في الحكومة عن توجهات لفرض ضرائب جديدة في موازنة العام 2020، أدخلت القوى الحزبية المتمثلة في حكومة سعد الحريري، في حالة من الإرباك والضياع.
ويقول الناشط في الحراك المدني واصف الحركة في حديث للجزيرة نت إن التحركات العفوية في بيروت وكل المناطق ومن كل الفئات الشعبية “أربكت السلطة القائمة”.
ويضيف الحركة عن أهمية هذه المظاهرات أنها شملت في انتقاداتها كل أطراف السلطة، وأن المشاركين فيها قالوا بصوت واحد ومرتفع “كلهم يعني كلهم”، في إشارة منهم إلى تحميل جميع أحزاب السلطة مسؤولية تردي الوضع الاقتصادي والمالي في البلاد، مؤكدا أن الحل يبدأ “باستقالة الحكومة ومكافحة الفساد ومحاسبة الفاسدين، ليبنى على الشيء مقتضاه”.
خارطة الاحتجاجات
وكانت الاحتجاجات والمظاهرات قد شملت في يومها الثالث كبرى المدن اللبنانية، إضافة الى العاصمة بيروت. ففي شمالي البلاد احتشد الآلاف في ساحات مدينة طرابلس مطلقين هتافات ضد الحكومة ورئيسها سعد الحريري والسلطة قاطبة، ومطالبين بإسقاط الحكومة فورا.
كما شهدت مدن جبيل وجونية في منطقة كسروان بجبل لبنان مظاهرات وتجمعات وقطعا للطرق، وهتف المتظاهرون بشعارات تنتقد رئيس الجمهورية ميشال عون ووزير الخارجية جبران باسيل.
وفي مدينة صيدا (جنوب) اعتصم الآلاف في شوارع المدينة وميادينها مطالبين بمحاسبة الفاسدين واستعادة المال العام المنهوب. وفي مدينة صور (جنوب) جابت شوارع المدينة مظاهرة هتف المشاركون فيها ضد رئيس البرلمان نبيه بري، إضافة إلى تسجيل اعتداءات على مكاتب نواب في البرلمان ينتمون إلى حركة أمل وحزب الله.
وقد تعرضت هذه المظاهرة لاعتداء من قبل مسلحين، كما أفاد به ناشطون. وقال بيان صادر عن حركة أمل إنها “إذ تشكر كل من تداعى إلى التحرك التضامني لاستنكار التطاول على الإمام السيد موسى الصدر ودولة الرئيس نبيه بري في مدينة صور، فإن الحركة تؤكد رفضها للمظاهر المسلحة في شوارع المدينة”.
كما شهدت مدينة النبطية (جنوب) مظاهرة كبيرة أطلق المشاركون فيها انتقادات لكل “أركان السلطة”، وفي مدن عالية وبعقلين والشويفات (جبل لبنان) نظم الحزب التقدمي الاشتراكي المشارك في الحكومة وقفات احتجاجية ضد “عهد الرئيس ميشال عون”.
وقطع محتجون طريق بيروت-دمشق في مدينة شتورة (شرق) بالإطارات المشتعلة والسواتر الترابية. كما شهدت مدن زحلة وبعلبك والهرمل وعرسال (شرق) احتجاجات مماثلة.
وكانت القوى الأمنية اللبنانية قد عملت في اليومين الأولين على فض التجمعات وسط بيروت وفتح الطرقات المقفلة، خصوصا طريق القصر الرئاسي.
وقد أدى التدافع بين القوى الأمنية والمتظاهرين إلى سقوط جرحى من الطرفين واعتقالات طالت ناشطين في الحراك أطلق سراحهم بعد خضوعهم لتحقيقات أمنية.
وإزاء هذه المظاهرات وامتدادها الواسع الى مدن وبلدات الأطراف، دخلت الحكومة اللبنانية في صراع مع الزمن، وعقد رئيسها الحريري سلسلة اجتماعات مع ممثلي الكتل الحزبية المشاركة في مجلس الوزراء لإيجاد مخرج للأزمة.
وكان الحريري الذي وجه رسالة للبنانيين في اليوم الثاني من الاحتجاج الشعبي، قد حدد لنفسه مهلة زمنية لا تتعدى 72 ساعة لإيجاد حل سريع وتقديم حزمة من الإصلاحات الاقتصادية وتسهيل عمل حكومته.
من جهته، قال وزير المالية علي حسن خليل إنه تم التأكيد خلال لقائه الحريري على إنجاز الموازنة العامة بدون إدخال أي ضريبة أو رسم جديد. وأضاف في تصريح له أنه تم الاتفاق أيضا على إلغاء كل المشاريع المتعلقة بزيادة الضرائب المطروحة، إضافة إلى إقرار خطوات إصلاحية جدية.
وفي تعليقه على الاحتجاجات، قال الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاب له إن حزبه يتفهم المطالب الشعبية ولكنه مع استمرار عمل الحكومة ولا يؤيد إسقاطها، منتقدا كل من يحاول إسقاط العهد.
بدوره حذر التيار الوطني الحر من استغلال الحزب التقدمي الاشتراكي والقوات اللبنانية للاحتجاجات الشعبية وحرفها عن أهدافها.
هروب إلى الأمام
يقول الكاتب والمحلل السياسي سعد كيوان في حديث للجزيرة نت إن الأزمة في البلاد جدية وعميقة، مضيفا أن السلطة اللبنانية تعاني من أزمة بنيوية، و”هي لا تعرف كيف تتعامل مع الشارع المنتفض”.
وأعرب كيوان عن اعتقاده بأن الشارع بتظاهراته الواسعة “قد تخطى السلطة التي لم تنجح حتى الآن في إدخال التحرك في زواريبها الطائفية والمذهبية”.
وحول موقف حزب الله من الحكومة والحراك، يقول كيوان إن نصر الله لم يقدم جديدًا، بل أكد على التمسك بالحكومة، مؤكدا أن الأزمة عميقة، وأن ما يشهده لبنان نتيجة للتسوية السياسية التي أوصلت الرئيس عون إلى رئاسة الجمهورية والحريري إلى رئاسة الحكومة.
ويضيف أن السلطة ستهرب إلى الأمام لكسب الوقت والاتفاق على بعض الأمور لتسهيل مهمة الحريري وعدم سقوط الحكومة.
من جهته يرى المحلل السياسي وسيم بزي أن الأزمة الاقتصادية التي يعاني منها اللبنانيون، أزمة عميقة ومتأتية من السياسات الاقتصادية للحكومات المتعاقبة منذ العام 1992.
ويضيف بزي في حديث للجزيرة نت أن محاولات استهداف عهد الرئيس عون وتحميله كل مسؤولية الأزمة الاقتصادية يعد تجنيا عليه وعلى حزب الله.
ويرى أن الحل لا يكون بفرض ضرائب جديدة على اللبنانيين، بل بإيجاد حلول ناجعة لعمق الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعاني منها البلاد.
الجزيرة نت 19\10\2019
POST A COMMENT.