عفيف دياب || يحتفل لبنان الرسمي والشعبي بالذكرى 19 لتحرير الجنوب من الاحتلال الإسرائيلي في 25 مايو/أيار كل عام.
احتفال تزامن هذه السنة مع حدثين بارزين أدخلا لبنان في قلق نسبي؛ الأول ترسيم الخط البحري مع إسرائيل، حيث حقول الغاز، والثاني مصير ما تبقى من أراضيه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
ودخلت واشنطن على خط المفاوضات بين الطرفين عبر مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط ديفيد ساترفيلد، الذي أشارت مصادر لبنانية إلى توصله لصيغة تفاوضية غير مباشرة بين لبنان وإسرائيل خلال زياراته إلى بيروت وتل أبيب.
وأوضحت المصادر للجزيرة نت حصول اتفاق أولي على عقد هذه المفاوضات بهدف التوصل لترسيم الحدود البحرية والبرية اللبنانية-الإسرائيلية، وهو ما يعول عليه لبنان كثيرا لاستكمال سيادته على مياهه الإقليمية، ومنع تل أبيب من مد سلطتها على حقوله النفطية المكتشفة.
وقالت هذه المصادر إن ساترفيلد أبلغ المسؤولين اللبنانيين موافقة إسرائيلية على بعض النقاط التي طرحها لبنان، ومنها تلازم التفاوض على الحدود البحرية والبرية، إضافة إلى مكان التفاوض في مقر الأمم المتحدة في قرية الناقورة.
وأوضحت المصادر أن لبنان أبلغ ساترفيلد طلبه ضمانات أميركية بعدم إفشال إسرائيل المفاوضات، والوصول إلى نتائج تحفظ حق لبنان في البحر والبر.
لم يحسم بعد
وفي السياق، قال المحلل السياسي داود رمال إن ساترفيلد أبلغ بيروت موافقة إسرائيل على شروطه لترسيم الحدود البحرية وعقد مفاوضات غير مباشرة بين الطرفين، موضحا أن مكان عقد المفاوضات لم يحسم بعد، وهل ستكون برعاية الأمم المتحدة أم أميركا.
وأشار في حديثه للجزيرة نت إلى أن إسرائيل تريد واشنطن وسيطا، ولبنان يريد أيضا مشاركة الأمم المتحدة في هذه المفاوضات، معتبرا أن إسرائيل قد توافق خطيا على حقوق لبنان البحرية، ولكن تبقى العبرة في التنفيذ، خاصة أن إسرائيل لم تلتزم بقضايا أخرى مكتوبة مع لبنان، ومنها الانسحاب من الجزء اللبناني من قرية الغجر السورية المحتلة.
بين الحق والقوة
ويعتبر لبنان نجاح دبلوماسيته -في المفاوضات الشاقة عبر الوسيط الأميركي لإلزام إسرائيل بترسيم الحدود- قيمة تضاف إلى مساعيه لتثبيت حدوده البحرية والبرية مع إسرائيل، لكنها تبقى منقوصة ما لم تحل قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
ويقول المؤرخ نبيل خليفة إن قضية المزارع والتلال معقدة جدا، وإن مقاربة الموضوع تنطلق من مبادئ إقامة الحدود بين الدول ومن يقيمها أو يفرضها، موضحا للجزيرة نت أن لبنان لم يتمكن من إثبات حقه في أراضيه المحتلة في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
وأشار خليفة إلى أن الحدود بين الدول يحكمها الحق والقوة، قائلا “للأسف حقنا مسلوب بالقوة من قبل طرفين”.
واعتبر أن المزارع والتلال وفق القانون الدولي أرض سورية، وبحوزة الأمم المتحدة نحو 81 خريطة جغرافية تؤكد سورية هذه المنطقة، رغم أن الجميع يعلم حق لبنان بها منذ إعلان دولة لبنان الكبير سنة 1920 وحدودها الجديدة التي كانت تضم مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
ويتابع المؤرخ خليفة أن حق لبنان في المزارع والتلال بقي حتى عام 1948، حيث فرضت سوريا خريطة جغرافية جديدة لأراضيها ومن ضمنها المزارع.
ويقول إن لبنان لم يكترث للفعل السوري الذي تكرس لاحقا بعد حربي 1967 و1973 وشمول المزارع والتلال بما كان يعرف باتفاقية فض الاشتباك بين سوريا وإسرائيل، حيث فرضت إسرائيل قوتها وسيطرت عليها.
مسح عقاري
وفي هذا الخصوص، يقول رئيس بلدية كفرشوبا الدكتور قاسم القادري إن مساحة أراضي قريته المحتلة تبلغ أكثر من خمسة كيلومترات مربعة، وإن الدولة اللبنانية لم تعمل على تثبيت لبنانية تلال قريته ومزارع شبعا.
وأوضح في حديثه للجزيرة نت أن السلطات اللبنانية نفذت مؤخرا مسحا عقاريا لأراضي قريته المحتلة، استناداً إلى الوثائق التي يمتلكها أهالي القرية، وسجلت في الصحيفة العقارية أسماء مالكيها، مضيفا أن لدى الأمم المتحدة 81 خريطة، منها فقط عشرون خريطة تقول إن المزارع والتلال لبنانية.
وأكد أن الأهداف والمصالح السياسية الإقليمية والدولية التقت على ألا تكون المزارع لبنانية؛ نظرا لأهميتها الإستراتيجية، معتبرا أن لبنان ذهب ضحية الأهداف الإسرائيلية والسورية والأممية، والتقاعس العمد عن إثبات ملكية لبنان لهذه الأراضي.
إشكالية سياسية وجغرافية
من جهته، يعتبر المؤرخ نبيل خليفة أن الإشكالية الكامنة وراء قضية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تعود لكونها “أخذت منا بالقوة السورية أولا، ثم بالقوة الإسرائيلية، ولم نتمكن حتى الآن وبعد 19 عاما على تحرير الجنوب من إثبات حقنا في ما تبقى من أرض محتلة وفق القانون الدولي”.
وأوضح أن سوريا “لم تسلم الأمم المتحدة خريطة تؤكد لبنانية المزارع والتلال رغم اعترافها السياسي والإعلامي بلبنانيتها”.
وجاء اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان السوري المحتل ليزيد المسألة تعقيدا، حسب تصريح دبلوماسي لبناني سابق للجزيرة نت.
ويضيف الدبلوماسي -الذي تحفظ على ذكر اسمه- أن لبنان ومع اعتراف ترامب بسيادة إسرائيل على الجولان والمزارع والتلال، ضمن الهضبة المحتلة، أدخل السلطة السياسية في البلاد في متاهة جديدة، و”هي للأسف تقف الآن عاجزة تتفرج على خسارة جديدة لأراضيها في ذكرى التحرير الـ19″.
ويضيف الدبلوماسي السابق أن لبنانية مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحتاج إلى مفاوضات كتلك التي ستجرى لتثبيت حقوق لبنان البحرية مع الاحتلال الإسرائيلي، موضحا أن هذه المفاوضات يجب أن تترافق مع مفاوضات مماثلة مع الجانب السوري لانتزاع توقيع رسمي منه على خريطة تسلم للأمم المتحدة تثبت لبنانية المزارع والتلال.
وكشف المتحدث عن أن مديرية الشؤون الجغرافية في الجيش اللبناني أنجزت منذ أعوام خريطة جديدة للبنان، من ضمنها المزارع والتلال، وأنه يمكن للجانب السوري التوقيع عليها وتسليمها كوثيقة غير قابلة للطعن للأمم المتحدة، داعيا إلى عدم تكرار التجارب اللبنانية الماضية بتسليم الأمم المتحدة خرائط اعتبرتها المراجع الدولية غير ذات قيمة قانونية”.
إستراتيجية المزارع والتلال
يذكر أن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي تقع على السفح الجنوبي الغربي لجبل الشيخ بطول عشرين كيلومترا وبعرض يتراوح بين سبعة وعشرة كيلومترات، يحدها من الشمال قرية كفرشوبا ومن الجنوب والشرق قرى بانياس وجباتة الزيت ومجدل شمس وحضر السورية، ومن الغرب قريتا الدحيرجات والمجيدية اللبنانيتان.
وترتفع عن سطح البحر بما بين 1000 و1600 متر، وتشرف على نحو سبعمئة كيلومتر من أراضي الجولان السورية وسهل الحولة والجليل بفلسطين وأجزاء واسعة من الجنوب اللبناني.
وسميت بالمزارع والتلال لاعتماد أهاليها من قريتي شبعا وكفرشوبا على الزراعة وتربية الماشية، وكانت تشكل مسكنا دائما لأكثر من 1500 عائلة من القريتين يتوزعون على 14 مزرعة.
واحتلت إسرائيل هذه المنطقة على مراحل منذ 1967 وحتى 1973، حيث كانت تعتبر معقلا إستراتيجيا للمقاومة الفلسطينية والأحزاب اليسارية اللبنانية التي كانت تجد من المزارع وكفرشوبا منطلقا مهما نحو تنفيذ عمليات عسكرية ضد الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين المحتلة بدءا من عام 1969.
الجزيرة نت
22\5\2019
POST A COMMENT.