منها ولادة الحكومة وسوريا.. ملفات تثقل كاهل لبنان في 2019

 عفيف دياب||
يدخل لبنان عام 2019 مثقلا بحزمة من الأزمات والملفات الخلافية التي عجز قادته عن التوافق عليها في العام المنصرم، بعد وعود من ساسة البلاد بأن يمضي اللبنانيون أعياد الميلاد ورأس السنة في ظل حكومة جديدة تعسرت ولادتها أكثر من ثمانية أشهر.
فاستفحال أزمة تشكيل الحكومة لشهور طويلة رفع مستوى القلق عند اللبنانيين، من عجز السياسيين عن التوصل إلى مخرج من الخلاف حول توزيع الحقائب الوزارية، وارتفاع حدة الصراع السياسي بين القوى الرئيسية في البلاد في العام الجديد.
ترحيل أزمة تشكيل الحكومة إلى العام الجديد فتح باب الأسئلة حول سر العقدة العصية على التفكيك، خصوصا أن كافة أطراف الأزمة عبروا عن استعدادهم لتقديم التسهيلات المطلوبة لولادة حكومة يعتبرها رئيس الجمهورية الحكومة الأولى في عهده، بعد مرور حوالي سنتين على بدء ولايته الرئاسية.
يقول مصدر مطلع في بيروت -فضل عدم الكشف عن اسمه- إن أزمة تشكيل الحكومة مصدرها نابع من “سوء فهم كبير” بين حزب رئيس الجمهورية التيار الوطني الحر -الذي يتزعمه جبران باسيل- وحزب الله، على من له الكلمة الفصل في مجلس الوزراء المقبل.

ويضيف المصدر في حديثه للجزيرة نت أن “باسيل يريد نيل الثلث زائد واحد في الحكومة ليتسنى له التحكم بها، ولا سيما أنه يُعتبر رئيس الظل في البلاد”.

ويتابع أن “حزب الله الذي لا يريد لأحد أن يستأثر بعمل مجلس الوزراء، أراد من عقدة تمثيل من يسمون بـ: سنة 8 آذار، أي من خارج تيار المستقبل، ورقة مساومة مع التيار الوطني الحر، وهو ما يتفق عليه معه رئيس البرلمان نبيه بري”.

ويعتقد المصدر المطلع أن رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل “أفشل أكثر من حل لعقدة ولادة الحكومة، وهو يطمح بأن يكون رئيسا للجمهورية وللحكومة في آن معا، وهو ما شكل إزعاجا لحزب الله، ومعه الرئيس المكلف سعد الحريري الذي يعتبر اليوم الحلقة الأضعف في تشكيل حكومته”.
أزمة تشكيل الحكومة واستعار جمر الخلاف بين حزب الله والتيار الوطني، عبر عنه ناشطون من الطرفين على مواقع التواصل الاجتماعي، سرعان ما لجمه قادة الحزبين، وهو ما نفاه بشدة أيضا نائب رئيس المجلس السياسي في حزب الله محمود قماطي بعد اجتماعه مع البطريرك الماروني، وقوله إن “الحزب لا يمانع في أن تكون حصة رئيس الجمهورية والتيار الوطني الحر 11 وزيرا أو 12 و13 وزيرا”.
إلا أن البعض يعتقد أن حقيقة الخلاف حول تشكيل الحكومة تكمن في أن الظروف الإقليمية لم تنضج بعد لإعلانها، وأن القرار بيد حزب الله وليس التيار الوطني الحر. فيقول الباحث السياسي ميشال أبو نجم إن ما يؤخر ولادة الحكومة وترحيل ملفها من 2018 إلى 2019 هو “الخلاف على التوازنات بداخلها”.
ويضيف أبو نجم للجزيرة نت أن الحكومة المقبلة ستواجه تحديات كبرى سواء على المستوى الاقتصادي والسياسي أو على المستوى الاقليمي، مشيرا إلى أن كل طرف في لبنان “يسعى إلى الحفاظ على مواقعه وإلى تأمين أكبر قدر من الأرباح السياسية، استعدادا لمواجهة الاستحقاقات المقبلة محليا وإقليميا”. ولا يخفي وجود اختلافات سياسية تصاعدت بين حزب الله والتيار الوطني الحر، ولكنه يؤكد أن الطرفين يصران على التفاهم فيما بينهما.
وفضلا عن أزمة تشكيل الحكومة والتحذيرات من انهيار الاقتصاد اللبناني، هناك ملف شكل العلاقة مع سوريا ومضمونها، خصوصا بعد بدء بعض الدول العربية إعادة ترطيب علاقاتها مع نظام دمشق.
وعن ذلك، يقول أبو نجم إن هنالك خلافات لبنانية حول العلاقة مع سوريا، “فمسارعة بعض الدول العربية إلى المصالحة مع سوريا يحتم على اللبنانيين التصالح معها أيضا، وهذا أمر خلافي لا يمكن لنا أن نتجاهله، وقد يكون من أسباب تأخير ولادة الحكومة ودورها في معالجة الكثير من الملفات العالقة في البلاد”.
العلاقة مع النظام السوري -التي يسعى لها البعض اليوم، ويرفضها البعض الآخر بانتظار قرارات عربية جامعة- ستكون واحدة من أبرز الملفات الخلافية التي ستواجه ساسة لبنان في عام 2019، كما يقول أبو نجم.
وكان النظام السوري قد أدرج عددا من كبار الساسة اللبنانيين على لائحة أصدرتها “هيئة مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب” نهاية العام الماضي، واتهمهم بدعم الإرهاب في سوريا، من ضمنهم الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة سعد الحريري، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، ورئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، وعشرات الشخصيات اللبنانية.
وقد قال رئيس الحزب التقدمي وليد جنبلاط في تغريدة له على تويتر معلقا على اللائحة “كتب علينا أن نستمر في المواجهة السياسية والفكرية للنظام السوري وأطماعه وغدره”، وأضاف “لن نخاف من التحدي”.
من جهته يقول الكاتب الصحفي يوسف دياب إن هذه اللائحة تطال بشكل أساسي الفريق اللبناني المناهض للنظام السوري، بهدف الضغط عليه للاعتراف بشرعية النظام.
ويضيف متحدثا للجزيرة نت أن “ملف العلاقة مع سوريا هو من أبرز الملفات التي ستواجه لبنان في العام الجديد، وبالتالي فإن نظام الأسد أراد من تحديث لائحته الاتهامية ضد الحريري وجنبلاط وجعجع وغيرهم، القول للمملكة العربية السعودية إن عليها تقديم تنازلات لمصلحته، ولا سيما أن هؤلاء يعتبرون من أقرب حلفائها في لبنان”.
ويلفت دياب إلى أن لبنان سيستضيف القمة العربية الاقتصادية بين 19 و20 من الشهر الجاري، وبالتالي فإن النظام السوري يريد المشاركة فيها لنيل شرعية وجوده. وهو ما أعلنه حزب الله صراحة، من خلال كتلته البرلمانية التي رأت في بيان لها أن لبنان معني بدعوة سوريا للقمة، في ظل ما وصفتها “الإيجابية العربية تجاه دمشق”.
وعدا عن الملف الخلافي بين اللبنانيين حول شكل العلاقة مع سوريا، ستواجه البلاد في 2019 تحديات ملف المحكمة الدولية الخاصة باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري وآخرين. ويرى الصحفي يوسف دياب أن المحكمة الدولية في مرافعاتها لم تقدم إشارات إدانة للنظام السوري “لأنها تحاكم أفرادا لا دولا”، ويضيف أن “المرافعات تطرقت إلى أدوار للنظام، ولم توجه الاتهام إليه مباشرة، لا بل إن الاتهام موجه إلى أفراد من حزب الله، وإن النظام السوري ومعه حزب الله لن يغيرا في مسار المحكمة”.
ويوضح دياب أن هذا الملف سيكون له خلال العام 2019 أهمية كبيرة، ولكن للمحكمة مسارها القضائي والقانوني ولا يمكن لأي شخص أن يغير فيها، حتى لو تنازل سعد الحريري عن حقوقه الشخصية، على سبيل المثال.

الجزيرة نت

5\1\2019

Facebook Comments

POST A COMMENT.