دار الحكومة اللبنانية.. لو دامت لغيرك لما وصلت إليك

عفيف دياب ||

“لو دامت لغيرك لما اتصلت إليك”، حكمة منقوشة على بلاطة رخامية تستقبلك عند ولوجك إلى السرايا الحكومية في وسط العاصمة اللبنانية.
دار كبيرة واسعة تلون وسط بيروت بقرميدها الأحمر الجميل، منها تصنع سياسات الحكومة التي تعاقب على رئاسة سلطتها التنفيذية شخصيات سياسية تركت بصماتها على “السرايا” وفي الحياة العامة اللبنانية.
“لو دامت لغيرك” رفعها الرئيس الأسبق للحكومة رفيق الحريري الذي كان يعتبر من أهم إنجازات حكوماته إعادة “الروح” إلى دار الحكومة، التي صنعت في غرفها وأروقتها أبرز ما شاهده لبنان من أحداث منذ ما قبل الحرب العالمية الأولى.

جغرافيا سياسية
يقول الأستاذ الجامعي فارس اشتي إن للسرايا الحكومية موقعها المميز في الجغرافية السياسية اللبنانية منذ ما بعد اتفاق الطائف، و”رئيس مجلس الوزراء الجالس في السرايا هو السلطة التنفيذية الوحيدة في البلاد مقارنة بالسلطات الأخرى”.

وبحسب الأستاذ في كلية الفنون والعمارة بالجامعة اللبنانية الدكتور حبيب صادق، فإن دار الحكومة هي من المباني القليلة التي حافظت على وظيفتها منذ تشييدها.

ويضيف للجزيرة نت أن موقع السرايا يعبّر جغرافيا عن هيبة السلطة منذ الزمن العثماني، حيث كانت تشرف على بيروت كثكنة عسكرية واليوم تشرف على  الوسط المالي لبيروت، فـ”عمرانها يعبّر بوضوح عن هيبة السلطة ورمزية الحكم”.

والسرايا الحكومية في بيروت تحمل العديد من الذكريات والأحداث، بدءا من العام 1840 حين شيدت الدولة العثمانية ثكنة لأجهزتها العسكرية على ربوة أصبحت مقرا للحكام العثمانيين، وأطلق عليها أهل بيروت اسم “القشلة” أو الثكنة.

وبدأ هذا المقر يتوسع تدريجيا ويشهد توسيعات منذ 1877، وزين بالقرميد الأحمر سنة 1899 معطيا السرايا شكلها النهائي.

يقول الدكتور صادق إن مبنى دار الحكومة له سمات أقرب إلى العمارة الشامية وحجرها محلي، واستعملت في بنائها عناصر تعبر عن سلطة الحكم وقتها، فهي عمارة عثمانية بتقنيات محلية.

أحداث واحتفالات
ولم يقتصر دور المبنى على إيواء العسكريين في الحقبة العثمانية، ، فعندما أُعلنت ولاية بيروت عام 1880 تحول إلى مركز للوالي العثماني، وبدأ اسم “القشلة” يتحول تدريجيا إلى “سرايا الولاية”، ثم أُطلق على المبنى اسم “السرايا الكبيرة”.

وعندما خسرت الدولة العثمانية الحرب العالمية الأولى، أُنزل العلم العثماني عن السرايا الكبيرة في سبتمبر/أيلول 1918، لتبدأ مرحلة سياسية جديدة في لبنان، دشنت باحتفال سكان بيروت برفع راية الثورة العربية فوق مدخل السرايا.
لكن ما لبث الجيش الفرنسي أن احتل بيروت بعد أيام، وعين حاكما عسكريا للبلاد، وأنزل العلم العربي من السرايا لتتحول إلى مقر للمفوض السامي لحكومة فرنسا في دول الشرق.

وقد شهدت الدار خلال الاحتلال الفرنسي احتفالات سياسية أبرزها إعلان الجمهورية اللبنانية عام 1926، وبقيت مقرا للحاكم الفرنسي (المفوض السامي) حتى أبريل/نيسان 1941، حين تسلمت الحكومة اللبنانية عددا من المصالح التي كانت بيد الفرنسيين ومنها السرايا.

وفي عهد بشارة الخوري، أول رئيس للبلاد، صارت السرايا مقرا له قبل أن ينتقل إلى قصر آخر في بيروت، لتصبح السرايا لاحقا مقرا لحكومة رياض الصلح ومن ثم للحكومات المتعاقبة.

وفي عام 1976، وخلال الحرب اللبنانية، تعرضت لقصف مدفعي دمر أقساما منها مما تسبب في تهجير “الحكومة” إلى مقر آخر، قبل أن يعاد ترميم السرايا بعد انتهاء الحرب في عام 1990 وعودة رئاسة مجلس الوزراء إليها في عام 1998، مع مصالحها ودوائرها وتموضعها في المبنى الضخم المزين بفنون العمارة الشرقية والإسلامية، والمزخرف بستمئة وثلاث قناطر موزعة على ثلاثة طوابق وبناء سفلي وحوالي 430 غرفة وقاعة.

الجزيرة نت

11\10\2018

Facebook Comments

POST A COMMENT.