تعبت فلسطين من الذين يدعون حبّها

مرسيل خليفة || كنت صغيراً عندما أحببت فلسطين ! أحببت أكثر ممّا كنت أعرف وفي شفافيّة تجرح إلى حدّ العتمة التي عصفت بشعب طار من حلم جنتّه ليحطّ على أشواك السياج في المنافي القريبة والبعيدة، في شظف عيش اللاجئين في مخيمّات مليئة بالألم والقهر والعذاب .
أتذكّر عندما كنت صغيراً واذهب مع أبي إلى بيروت وأرى على مداخل المدينة وفي ضواحيها بيوت” التنك” لم أكن حينها أعرف عن فلسطين ، مخيمات أراها من بعيد وهي لغز بالنسبة لي . إلى أن دخلت قوّات ” كومندوس ” صهيونيّة إلى قلب العاصمة وهاجمت في ظلام الليل منازل القادة الفلسطينيين واغتالت : أبا يوسف. كمال عدوان. وكمال ناصر . إنكسر الزمان كالزجاج وأصبحت فلسطين الخيال والخيمة الواقع . وطال البعيد ونبت العشب البرّي تحت ظلال الخيمة الواقفة في الزمهرير .
لم أتضامن مع فلسطين بصفتها قضيّة “مقدسّة” بل بصفتها شعباً يقاوم الابادتين السياسية والثقافيّة .
لقد تعبت فلسطين من الذين يدعون حبّها. وفي ما يجب التنبّه اليه هو أن الحصار السياسي على فلسطين ليس حصاراً أميركياً فحسب بل هو للأسف حصار عربي أيضاً وبدأ يتخذ أشكالاً غير مألوفة في نتاج مرحلة الأفول العربي التي صنعتها الديكتاتوريات والاصوليات في عملية تدمير شاملة للمجتمعات العربيّة .
في ال ٧٦ إندلعت الحرب في لبنان ووجدت نفسي معاقباً بالطرد من مكاني الأول وتهجرت من ضيعتي الساحليّة لأنني مع القضيّة الفلسطينيّة . أنا المولود هناك في كنف المارونيّة السياسيّة . أيعقل أن يتضامن هذا الصبي الأخرق مع فلسطين . وخرجت مع مجموعة من الرفاق في ليلة ما فيها ضو قمر وغبت عن المنطقة ١٩ سنة . مات أبي في غيابي ولم تسمح لي الميليشيات حيث ولدت وترعرعت من القاء النظرة الاخيرة على وجه والدي . حملوه الجيران عند الغياب ودفنوه في تربة الصنوبر العالية .
اذكّر بالذين احبؤا فلسطين فجأة كم من مخيّم اقتلع على اياديهم “الناصعة”  الضبيّة، تل الزعتر، صبرا وشاتيلا وصولا الى نهر البارد واليرموك. ما هذه الدعوة المتأخرة لحب فلسطين ؟
لن نفقد الايمان بالحريّة والتحرّر من قيد الاحتلال .
المطلوب اليوم وأكثر من أي وقت مضى، مفكرون وذوو رؤى وابطال يخترقون هذه الشبكات المتشابكة من المزاعم والاكاذيب والاضاليل والتراكمات الفاسدة وينبشون الحقيقة ويعلنونها ويتركونها تتفاعل. يستقطبون الماضي والحاضر ونداءات المستقبل بما يتخطّى هذه الظروف وهذه العوامل .
أفلس سياسيوننا. إننا نطلب من الشباب، نطلب من اليائسين الغاضبين التائهين المصلوبين أن يأخذوا مكانهم .
11\12\2017

 

Facebook Comments

POST A COMMENT.