النسبية بانتخابات لبنان مطلب تاريخي وخطوة إلى الأمام

عفيف دياب ||

لم يشهد لبنان منذ استقلاله في العام 1943 انتظاما في قوانينه الانتخابية وفي تطبيق الدستور الذي خضع لتعديلات وإصلاحات، أبرزها ما جاء في اتفاق الطائف بعد حرب أهلية امتدت 15 سنة تداخلت فيها نزاعات الداخل والخارج.

ويتم إقرار القوانين الانتخابية وفق حسابات الطوائف وقواها الحزبية، وهو ما تسبب بوأد أكثر من مشروع انتخابي إصلاحي.

ويؤكد مراقبون في لبنان أن قوانين الانتخاب في البلاد لا تأتي إلا بعد أزمات سياسية وأمنية أو وفق رغبة التيار الأقوى طائفيا في تركيبة السلطة.

ويقول الكاتب الصحفي يوسف دياب إن اللبنانيين كانوا يطمحون منذ الاستقلال إلى قانون انتخابي عصري يسهم في بناء بلدهم، لكن “تركيبة النظام الطائفي أسهمت في وأد جميع مشاريع الإصلاحات السياسية والدستورية التي تقدمت بها عشرات الأحزاب والهيئات والحركات والتيارات السياسية والفكرية والثقافية”.

خطوة إلى الأمام

وحقق المطلب التاريخي للبنانيين بقانون يعتمد النسبية بدل الأكثرية خرقا محدودا من خلال مصادقة البرلمان الأسبوع الماضي على قانون يعتمد الاقتراع النسبي لأول مرة في تاريخ لبنان، وجاء ذلك بعد نقاش طويل توصلت خلاله “أحزاب السلطة” إلى القانون الجديد الذي قسمت فيه البلاد إلى 15 دائرة.

ويشير دياب إلى أن لبنان يعيش في ما سماها محميات طائفية تريد من خلالها كل طائفة قانونها وحصانتها لتصبح أقوى من الدولة، على حد تعبيره.

ويضيف للجزيرة نت أن كل طائفة لها “فيتو” ضد قانون انتخابي لا يناسبها، ولكن الضغط الحزبي العابر للطوائف وقوى المجتمع المدني والحركات الشبابية دفعت السلطة إلى تغيير نظرتها لقانون الانتخاب كما يقول.

ويؤكد دياب أن إدراج النسبية في قانون الانتخاب الجديد هو خطوة أولى نحو إنتاج قانون انتخابي عادل لاحقا، على حد قوله.

وسبق هذا القانون مشروع آخر تقدمت به الهيئة الاستشارية الوطنية الخاصة بقانون الانتخابات النيابية التي ترأسها وزير الخارجية الأسبق الراحل فؤاد بطرس.

وزاوج قانون “بطرس” في عام 2006 بين نظامي النسبي والأكثري، وقسم البلاد إلى 27 دائرة على مستوى القضاء للنظام الأكثري، وست محافظات للنظام النسبي، ولم يكتب النجاح لهذا المشروع الذي طرح على البرلمان نتيجة الصراع الطائفي والسياسي في لبنان.

قوانين سابقة

وتبقى قوانين الانتخاب في لبنان عرضة للتغيير والتبديل وفق حسابات السلطة القائمة، لكن قاسمها المشترك هو الاقتراع الأكثري.

وقسم قانون انتخابات 1950 البلاد إلى تسع دوائر، بينما قسمها قانون 1952 إلى 33 دائرة، وفي 1957 قسمت إلى 27 دائرة، وفي 1960 قسمت البلاد إلى 26 دائرة، ومنذ انتخابات سنة 1964 بقي قانون 1960 ساري المفعول، حيث اعتمد أيضا في انتخابات 1968 و1972.

وبعد توقف الحرب الأهلية قسمت البلاد إلى 12 دائرة في انتخابات سنة 1992، وفي 1996 قسمت إلى عشر دوائر، وفي العام 2000 إلى 14 دائرة، واعتمد هذا التقسيم أيضا في انتخابات العام 2005.
وبعد أن عصفت بالبلاد أزمة سياسية-أمنية نجحت الوساطة القطرية في جمع القوى اللبنانية في الدوحة، حيث تم التوصل إلى قانون انتخابي عرف باسم “قانون 1960” نسبة إلى القانون الذي كان قد صدر في العام 1960.

واعتماد النسبية في النظام الانتخابي هو مطلب تاريخي في لبنان، وقد قدمت أحزاب الشيوعي والقومي السوري الاجتماعي والعمل الشيوعي، والبعث والتقدمي الاشتراكي، وقوى قومية وناصرية انضوت جميعها في الحركة الوطنية بزعامة الراحل كمال جنبلاط مشروعا سياسيا إصلاحيا متكاملا يتضمن اعتماد لبنان دائرة انتخابية واحدة وفق الاقتراع النسبي ومن خارج القيد الطائفي.

وانضمت لاحقا إلى هذا المطلب بعد 1992 تيارات وقوى إسلامية مثل الجماعة الإسلامية وحركة أمل وحزب الله.

الجزيرة نت

20-6-2017

Facebook Comments

POST A COMMENT.