عفيف دياب ||
تحولت كل طائفة أو عائلة سياسية في لبنان إلى دولة داخل الدولة، لها جيشها الخاص ووزراء دفاعها وخارجيتها واقتصادها وماليتها وسفراء معتمدون في الدول الصديقة أو الحليفة
****
يعتبر النظام السياسي اللبناني أنموذجا فريدا من نوعه بين النظم السياسية المعروفة في مختلف البلدان. فالتوريث السياسي أبا عن جد هو العمود الفقري لهذا النظام المبني على أعراف طائفية ومذهبية ومناطقية وعائلية تتحكم في بنية الدولة وهوياتها السياسية والاقتصادية وعلاقاتها الخارجية ومنظومة الحلفاء والأعداء.
وعملية التوريث السياسي في لبنان منذ استقلاله عن فرنسا عام 1943 وحتى يومنا هذا لم تسهم إلا في تعقيد الحياة السياسية والدستورية وإنتاج حروب أهلية وتدخلات خارجية سياسية وعسكرية.
وتحولت كل طائفة أو عائلة سياسية إلى دولة داخل الدولة، لها جيشها الخاص ووزراء دفاعها وخارجيتها واقتصادها وماليتها وسفراء معتمدون في الدول الصديقة أو الحليفة.
ديمومة العائلة
وفي هذا السياق، يقول الباحث السياسي ميشال أبو نجم للجزيرة نت إن التوريث السياسي بلبنان هو “نتيجة طبيعية لعدم انتظام المؤسسات الدستورية”.
وقد أدى هذا النظام السياسي اللبناني أو منظومته العائلية والحزبية المتوارثة إلى صنع ما يشبه حصنا منيعا تحول مع عملية التوريث السياسي إلى شبكة مصالح مشتركة ومعقدة تدافع عن وجودها وامتداداتها ومصالحها.
ويعتبر أبو نجم أن التوريث السياسي في لبنان “جزء مهم من عمل العائلات الإقطاعية، وهو استمرار لديمومة حكمها”.
ويضيف أن التوريث مستمر اليوم بأشكال متنوعة ومختلفة و”يمكن ملاحظة أن بعضها فعال في الحياة السياسية العامة بالبلاد”.
كما يرى أنه “لا يمكن حرمان ابن الزعيم من العمل السياسي إذا ما كان كفؤا، ولكن عندما لا يكون أهلا لهذه المهمة فيجب عدم فرضه على موقع المسؤولية”.
حق مكتسب
أما الباحث في علم الاجتماع سعيد عيسى فيقول إن التوريث السياسي في لبنان أصبح مع مرور الوقت أمرا طبيعيا أو تقليدا متبعا.
ويضيف للجزيرة نت أن المجتمع اللبناني يتقبل هذا التوريث دونما اعتراض و”عنده كامل الاستعداد والبنية الطائفية والعائلية والعشائرية مع تراثه السياسي لحماية هذا التوريث ودعمه رغم بعض الانتقادات الناعمة”.
ويتابع عيسى أن البنية المجتمعية اللبنانية “تحتاج إلى من يحميها، وبالتالي يصبح توريث الزعامة السياسية حقا مكتسبا”.
وأبدى المتحدث أسفه لاعتماد الأحزاب والتيارات السياسية الحديثة في لبنان مبدأ التوريث السياسي بعد أن كانت تنتقد بشدة ما كانت تسميه الإقطاع السياسي والعائلي، مضيفا أن “عدوى التوريث السياسي وصلت إلى تيارات كنا نعتبرها تغييرية وثورية”.
توريث هادئ
ولا يقتصر التوريث السياسي في لبنان على عدد محدود من الزعامات، فالبيوت السياسية التي تحولت مع الوقت إلى أحزاب أو تيارات، كحال عائلات جنبلاط وفرنجية والجميل وأرسلان وشمعون ومعوض وكرامي وسكاف وإده وغيرهم، ويضاف إليهم حديثا آل الحريري وعون، اعتمدوا مبدأ التوريث دونما صعوبات تذكر.
فوليد جنبلاط الذي ورث الزعامة عن والده كمال جنبلاط سلمها إلى نجله تيمور، ودعاه خلال حفل التسليم إلى حفظ تراث جده وأن يشهر عاليا كوفية فلسطين العربية وكوفية لبنان التقدمي.
أما زعيم تيار المردة سليمان فرنجية الذي ورث الزعامة عن جده رئيس الجمهورية الراحل سليمان فرنجية، فسيورثها لنجله طوني، في حين يتوارث الأبناء والأحفاد زعامة آل الجميل وحزب الكتائب من مؤسسه الراحل بيار الجميل.
وقد ورث دوري شمعون حزب والده الرئيس الراحل كميل شمعون ومقعده النيابي، وهو حزب آل إليه بعد مقتل شقيقه داني.
أما آل الحريري، فقد ورث سعد الحريري الزعامة بعد مقتل والده رفيق الحريري، في حين دخل التيار الوطني الحر بزعامة رئيس الجمهورية ميشال عون نادي التوريث السياسي، حيث استلم جبران باسيل صهر الرئيس رئاسة التيار، على أن يتولى آخرون من العائلة مواقع نيابية وحزبية وسياسية أخرى.
POST A COMMENT.