مفقودو لبنان.. في انتظار قانون بأيدي خصومهم
ديما شريف ||
“اسمي رمزي، في الـ21 من عمري، أدرس في الجامعة الأميركية في بيروت، كانت حياتي تتمحور حول أصدقائي وعائلتي، ولم تكن تختلف كثيرا عن حياة باقي طلاب الجامعات في عمري”.
“في الـ29 من يونيو/حزيران 1982 مر أصدقائي على منزلي لاصطحابي لكنهم لم يجدوني، بعد فترة وُجدت سيارتي في مرآب إحدى المليشيات.. بعد مرور 34 سنة على اختفائي ما زال الأمر مصدر ألم وعذاب لعائلتي وأحبائي، اسمي رمزي عبد الخالق، لا تدعوا قصتي تنتهي هنا”.
قصة رمزي عينة من القصص التي دأب “موقع فسحة أمل” على نشرها على ألسنة المفقودين في الصحف اليومية اللبنانية للتذكير بقضيتهم.
وهذا الموقع أنشأته لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين في الحرب الأهلية في لبنان بالتعاون مع منظمة “لنعمل من أجل المفقودين” ليكون فضاء رقميا تفاعليا ينشر قصصا عن آلاف الأشخاص الذين فقدوا في لبنان على مدى العقود الأربعة الماضية.
ولا تزال أسر هؤلاء المفقودين تناضل من أجل معرفة مصيرهم، ويروي الموقع الأحداث التي أدت إلى فقدان أو اختطاف كل شخص، بالإضافة إلى معلومات عنهم وعن أسرهم.
ينتظر أهالي مفقودي الحرب اللبنانية منذ 25 عاما معرفة أي معلومة أو سماع أي إشارة عن مصير ذويهم، أحياء كانوا أم أمواتا.
يرجح أن الكثير من هؤلاء قتلوا أو فقدوا في المعارك وغيرهم خطفوا، ولم يهدأ بال عائلاتهم حتى اليوم.
17 ألفا
ويقدر عدد المفقودين بنحو 17 ألفا اختفوا خلال حقبة المعارك الممتدة من عام 1975 حتى 1990، ومنهم من فقدوا أثناء حصار ومعركة مخيم تل الزعتر شرقي بيروت، ويومها حاصرت الأحزاب اليمينية والجيش السوري المخيم لنحو شهرين قبل أن تجري تصفية من حاولوا الخروج منه من الأهالي والمسلحين المتحصنين داخله من القوى الفلسطينية.
ورغم أن عدد سكان تل الزعتر كان حينها يتخطى خمسين ألفا ما بين فلسطيني ولبناني فإن المنظمات التي تعنى بتوثيق عدد المفقودين ليس لديها سوى عشرات من أسماء المفقودين من تل الزعتر.
ويعود ذلك إلى الحرب القائمة وقتها وفقدان عائلات بكاملها، فلم يعنَ أحد بتوثيق أسماء كل المفقودين من المخيم.
وكانت المبادرات التي تعنى بالبحث عن المفقودين قد بدأت قبل أن تضع الحرب أوزارها فتم تأسيس “لجنة أهالي المفقودين والمخطوفين” في منتصف ثمانينيات القرن الماضي.
وفي العام 1990 شكلت لجنة دعم المعتقلين والمنفيين اللبنانيين (سوليد)، وقد تم تتويج العمل الأهلي بإقامة اعتصام دائم في حديقة صغيرة ببيروت وخيمة لأهالي المفقودين.
ولم يصل جهد هذه المنظمات إلى نتيجة سوى في العام 2014 عندما صدر قرار قضائي عن مجلس شورى الدولة كرس حق الأهالي بمعرفة مصائر ذويهم، وألزم الدولة بتسليمهم نسخة عن التقرير الذي أجرته اللجنة الرسمية للتقصي عن المفقودين.
وقد تم إيداع نسخة من هذا التقرير لدى البعثة الدولية للصليب الأحمر في جنيف الذي بدأ منذ شهرين بجمع عينات الحمض النووي من أهالي المفقودين من أجل التعرف على هويات الرفات -إن وجدت- في حال العثور على مقابر جماعية في المناطق التي شهدت معارك وحالات خطف.
انتظار القانون
لكن الأهالي ينتظرون إقرار اقتراح قانون بشأن الأشخاص المفقودين والمختفين قسريا أقرته اللجنة النيابية لحقوق الإنسان، وينتظر إقراره في جلسة عامة للبرلمان.
لكن المراقبين والحقوقيين يرون أنه من الصعب معرفة مصير مفقودي تل الزعتر، إذ إن معظم مسؤولي المليشيات في الحرب اللبنانية الأهلية لم “يتقاعدوا” بعد انتهاء الحرب، بل غيروا هندامهم العسكري ولبسوا ربطات العنق وانتقلوا إلى مجلس النواب والحكومة وأصبحوا يشكلون جزءا من الطبقة السياسية الحالية.
وليس من الطبيعي إذن أن يوافق هؤلاء على أي قانون يجرمهم أو يضعهم موضع اتهام من جديد، خصوصا أنهم اتفقوا على مبدأ “عفا الله عما سلف”.
ويقول مقرر لجنة حقوق الإنسان في البرلمان اللبناني غسان مخيبر إن مقترح القانون يتضمن إنشاء هيئة وطنية لشؤون المفقودين وضحايا الاختفاء القسري تتمتع باستقلالية إدارية ومالية وقانونية، وتضم خليطا من ممثلي أهالي المفقودين والمجتمع المدني والسلطات الرسمية.
ويتضمن أيضا أحكاما تؤكد حق الأهالي في معرفة مصير أبنائهم، وكيفية تأمين هذا الحق، وتنظيم عملية نبش المقابر الجماعية. |
|
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مذبحة تل الزعتر.. حكاية الألم والبطولة
وسيم الزهيري||
رغم مرور أربعين عاما على مذبحة مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان التي تصادف ذكراها الجمعة 12 أغسطس/آب الجاري، ما تزال مشاهد الحصار والقتل ماثلة في أذهان أهالي المخيم الذين قدر لهم أن لا يقتلوا في المذبحة، ليعيشوا ويرووا صورا من الأهوال التي عاشوها.
وتمثل مذبحة مخيم تل الزعتر واحدة من أسوأ صفحات الحرب الأهلية اللبنانية التي اندلعت عام 1975 واستمرت زهاء 15 عاما. وقد تعرض المخيم لحصار من المليشيات اليمينية المسيحية اللبنانية والجيش السوري عام 1976، وانتهى بمجزرة مروعة طالت أبناء المخيم من مدنيين ومقاتلين.
ووفقا للمركز الفلسطيني للإعلام، فقد استمر حصار مخيم تل الزعتر شمال بيروت 52 يوما، ودكته خلال ذلك أكثر من 55 ألف قذيفة، وكانت حصيلة المذبحة 4280 قتيلا غالبيتهم من المدنيين والنساء والأطفال وكبار السن، وآلاف الجرحى وقصص مرعبة لعمليات الذبح الجماعية للاجئين، في مذبحة انتهت على إثرها المعركة يوم 12 أغسطس/آب 1976 باحتلال المخيم، وبعد ذلك وصلت الجرافات وأزالته.
وبعد مرور أربعين عاما على مذبحة تل الزعتر، طويت صفحات تلك الحرب السوداء، لكن نتائجها لم تمحَ بالكامل: آلاف المهجرين والجرحى وذوي الإعاقة ما زالوا إلى اليوم يعانون من تداعياتها.
وتجدر الإشارة إلى أن مخيم تل الزعتر تأسس عام 1949 بعد عام على النكبة، ويقع في المنطقة الشرقية الشمالية من مدينة بيروت، ومساحته كيلومتر مربع واحد.
“لا يمكن للمرء أن ينسى تلك اللحظات العصيبة، ولا أذكر من مخيم تل الزعتر سوى المآسي وحكايات القتل والتهجير وروائح الدم”، هكذا قالت سميرة حمادة إحدى الناجيات من حصار المخيم عند سؤالها عن ذكريات تلك الأيام.
فقدان للبصر وللوالدين
كانت سميرة في الرابعة عشرة من عمرها عندما فقدت بصرها نتيجة القصف الذي أدى أيضا إلى مقتل والديها، وتقول في حديثها للجزيرة نت إن فرق الصليب الأحمر أخرجتها من المخيم بعد إصابتها ونقلتها إلى المستشفى للعلاج، قبل أن تدخل لاحقا مؤسسة لتعليم المكفوفين.
وأشارت سميرة إلى أنها تزوجت في السادسة عشرة من عمرها برجل لديه إعاقة مماثلة، وهي تقطن حاليا مع عائلتها في مخيم برج الشمالي للاجئين الفلسطينيين جنوبي لبنان.
أما الفلسطيني أحمد الحاج فيتعمد المرور أحيانا كثيرة بسيارة الأجرة التي يمتلكها قرب ما كان يعرف بمخيم تل الزعتر، فهنا تمتزج في أذهان الرجل الستيني ذكريات الطفولة الجميلة بمآسي الحرب القذرة.
كان أحمد في الخامسة والعشرين تقريبا عندما أصابت رصاصات القناصين إحدى قدميه مما أدى إلى بترها، ويقول للجزيرة نت إنه بعد الخروج من المخيم أكمل عمله بمهنة النجارة، قبل أن يتزوج وينتقل للعمل كسائق سيارة أجرة نتيجة وضعه الصحي. وتبقى المفارقة أن أحمد يتمنى العودة يوما إلى تل الزعتر رغم كم الجراح الكبير.
“يوم أسود وحزين كان يوم سقوط مخيم تل الزعتر”.. بهذه الكلمات يستهل نائب رئيس رابطة أهالي تل الزعتر محمد شمس حديثه للجزيرة نت عن تلك الذكرى.
وتحدث شمس عن توزع أبناء المخيم على عدد من المناطق، مشيرا إلى تجمع يقطنه سكان مخيم تل الزعتر المهجرون في مخيم البداوي شمال لبنان وأطلق عليه تسمية “حي تل الزعتر”. ويقول إن شبح التهجير ما زال يلاحق هؤلاء حتى اليوم بسبب دعاوى قانونية بحقهم لإخلاء أماكن سكنهم.
ألفا مفقود
وقال شمس إن أكثر من ألفي مفقود من أبناء المخيم ما زال مصيرهم مجهولا حتى اليوم، مؤكدا الإصرار على متابعة قضيتهم.
وإذ أشار إلى أن الصليب الأحمر الدولي بدأ قبل أربع سنوات تقريبا ملء استمارات خاصة بهذا الموضوع، اعتبر أن الدولة اللبنانية لا ترغب في فتح جراح الحرب الأهلية ومآسي الماضي.
ويبقى لكل شخص من أبناء تل الزعتر قصة ستتناقلها الأجيال وفق ما يؤكده مسؤول الإعلام في رابطة أهالي تل الزعتر وليد الأحمد، مشيرا إلى أن التحضيرات مستمرة لإحياء الذكرى السنوية لسقوط المخيم عبر نشاطات متنوعة.
وقال الأحمد للجزيرة نت إن الهدف من إنشاء الرابطة هو المحافظة على هذه الذكرى وعلى سيرة المخيم، وإعادة التواصل بين أبنائه المنتشرين في لبنان والخارج، مؤكدا أن طموح أهالي مخيم تل الزعتر كان وسيبقى العودة إلى أرضهم في فلسطين. |
|
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مخيم تل الزعتر.. أربعون عاما على المجزرة
عفيف دياب
حكايات مخيم تل الزعتر للاجئين الفلسطينيين في لبنان لا تنتهي رغم مرور أربعين عاما على تدميره خلال الحرب الأهلية اللبنانية (1975-1990)، فالذاكرة الفلسطينية تنبض بذكريات أليمة عن المخيم، حيث لدى سكانه -الأحياء والشهداء وحتى المفقودين- قصصهم وحكاياتهم ومآثرهم.
يقول الكاتب الصحفي الفلسطيني ياسر علي الناجي من مجزرة تل الزعتر (كان حينها طفلا في السابعة) إن “المخيم بالنسبة لنا هو نكبتنا الثانية، وهو الذي يجمعنا على ذاكرة واحدة”.
ويضيف علي للجزيرة نت أن “ما حدث قبل أربعين عاما لم يحدث في أي حصار آخر، فالمخيم حوصر 52 يوما، وتعرض لـ72 هجوما، وقُصِفَ بأكثر من 55 ألف قذيفة”.
عبثية الحرب
في 12 أغسطس/آب 1976 تحول تل الزعتر إلى نكبة فلسطينية لبنانية، كانت مِلْحاً فوق جراح شعبين: شعب شرد وطرد من أرضه، وشعب جرفته عبثية الحرب إلى أتون الموت، حيث لم يقدر بعدُ على تلاوة فعل الندامة على عمل ربما كان أقوى منه أو خارج إرادته.
فتدمير المخيم وارتكاب مجزرة بحق سكانه من فلسطينيين ولبنانيين، قد يكون تم بقرار ليس من مرتكبي المجزرة، كما يقول أحد المعنيين بالحوار اللبناني-الفلسطيني اليوم.
ياسر الذي يزور المخيم دوريا منذ انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية متفقدا ما بقي من منزل عائلته، يتذكر تفاصيل تل الزعتر وعبثية ما مورس ضد سكانه، وينتابه نفس الشعور كلما تحدث عن المخيم لحظة خروجه منه.. “أتذكر اليوم القائظ، وأشعر بخوف من شيء ما”.
“صوت منخفض أسمع صداه وعطش شديد يرافقني”، ويضيف “أتذكر طريق الجرحى والشهداء الذي كان يمر أمام ملجأ.. تدمير المخيم كان عبثيا”.
حكاية ملجأ
وملجأ تل الزعتر حكاية من قصة موت مخيم.. ملجأ دُمّر على ساكنيه من الفلسطينين واللبنانيين، وهو يضم تحت ركامه اليوم رفات كثير من الرجال والنسوة والأطفال.. ملجأ أصبح قبرا جماعيا لكل ضحية في رحلة الحياة والموت والجوع.
خرجت الحاجة أم فهد (75 عاماً) من الملجأ مع طفلتيها.. جاء زوجها اللبناني المقاتل مع المدافعين عن المخيم وعمل على نقلهن إلى حي آخر فيه. وتقول للجزيرة نت “جاء زوجي وطلب مني الخروج من الملجأ.. رفضت بداية ولكنه أرغمني على المغادرة”.
بعد ثلاثة أيام على خروج أم فهد سقط المخيم ودُمر الملجأ على من فيه، و”لم أعد أتذكر من يوميات الملجأ إلا بكاء طفلة أم حسين.. ماتت أم حسين حمدان مع طفلتها مُنى.. كنا كُثُرا في الملجأ.. لم يخرج منه حيا إلا البعض وأنا منهم”.
وتتابع “خرجت من الملجأ بالصدفة.. أخبرني زوجي لاحقا أنه كان ينقل جريحا، وعلم بالصدفة أنني في الملجأ، فأوصل رفيقه ثم عاد وأخرجني مع الطفلتين حيث نقلني أحد أصدقائه من الجيش اللبناني والمتعاطف مع الفدائيين، إلى منطقة المتحف في بيروت”.
وتختم “لو لم أخرج لكنت مدفونة اليوم في الملجأ.. أتذكر كل الوجوه.. ولكن لم أعد أحفظ الأسماء.. تعبت ذاكرتي”.
نبش للأحقاد؟
أكثر من أربعة آلاف فلسطيني ولبناني قضوا في تل الزعتر والعشرات منهم في ملجأ المخيم. ويقول ياسر علي إن انتشال رفات شهداء اليوم من تحت ركام الملجأ “ليس بالأمر الهين”، وإن إعادة فتح ملف تل الزعتر قد يعتبره البعض “نبشا للأحقاد”.
ويضيف أن “المشكلة ليست فقط في شهداء الملجأ، بل في كل شهداء المخيم”، موضحا أنه “طُرحت في الأيام الماضية استعادة جثامين الشهداء، ولكن الرد من المعنيين جاء أن الأمر قد يثير الضغائن”، آملا من الجهات الفلسطينية واللبنانية الرسمية العمل على استعادة رفات شهداء تل الزعتر حتى “لا تبقى قبورهم شوارع وساحات وملاعب في المخيم المدمر”.
الجزيرة نت
12\8\2016
POST A COMMENT.