أبو إيلي أقفل حانة الذكريات… ومضى

 محمد همدر ||

رحل نايا شحود (1957 – 2016)، الشيوعي الأصيل كما يصفه من عرفه. الناس يعرفونه باسم أبو إيلي، هذا الاسم الذي يطلقونه على الحانة الصغيرة، في منطقة كاراكاس في الحمرا، حيث يمضون أمسياتهم في ضوئها الخافت، وبحراسة ابتسامته.

«نايا» أو «أبو إيلي»، مكان صغير، كان زائره يتعجّب كيف يستطيع أن يتسع لجميع الحاضرين. تطالعه وجوه شابة وأخرى من أجيال سبقتها، منها من يعرف نايا شحّود منذ سنوات نضاله. حوّل نايا هذا الوكر إلى مرآة لفكره: صور لغيفارا، لينين، زياد الرحباني، فيروز، رايات شيوعية، وصور كثيرة، يتابعها النظر من خلف نايا الذي يخدمه على البار، صعوداً إلى سقف المقهى وفي كل الاتجاهات. كأننا في مكان ما في أميركا اللاتينية، في إحدى الدول الشيوعية أو في الاتحاد السوفياتي. وعلى الباب من الجهة الداخلية، كان يعلّق لائحة شروط قصيرة، كأنها بروتوكول أبو إيلي، كانت أهمها احترام خيار نوع الموسيقى في المكان.

لم تكن هذه الصور والرموز مجرد زينة في الحانة. نايا شحود كان متفرغاً في الحزب الشيوعي. هناك، تعرّف إليه الموسيقي خالد الهبر، في أوائل السبعينيات، لينتقل أبو إيلي بعدها إلى السلاح خلال الحرب الأهلية وإلى مرافقة جورج حاوي. يتذكر خالد مبتسماً الأمسيات التي كان يحلو فيها لنايا أن يسرد حكايات خالد الهبر خلال الحرب، يقول: «الجلسة معه تطوّل العمر، لكنه رحل باكراً. كنا نقصده حين كنا محبطين، وأيضاً حين كنا مسرورين». ويضيف خالد في اتصال مع «الأخبار»: «أصبح نايا صديقاً للعائلة، وبقي كذلك منذ أن تعارفنا. كان يأتي إلى حفلاتي حاملاً باقة ورد، ويستقبلنا في المحلّ بعد كل حفلة». يتذكر أول مقهى افتتحه في المنطقة أقرب إلى البحر، قبل أن يفتتح المكان الحالي الذي يعرفه الناس في أول التسعينيات.
«أبو إيلي» بقي كما هو، بينما أقفلت العديد من الأماكن التي تحمل رمزية في بيروت، وبقي في زاوية بعيدة عن ضجيج ليل الأجيال الجديدة، التي لا ترى في بيروت سوى مكان للسهر والرقص.
كان مقهى أبو إيلي كأنه متحف لذكريات عن سنوات نضال جميلة. قسم كبير منها حقيقي، حوّلها إلى صور ورسومات أحاطت بمن كان يلجأ إليه. فمن غاب عنه أنّ بيروت ناضلت أيضاً من أجل العلمانية ومن أجل العدالة الاجتماعية، سيجد أن هذا المكان يجسّد مرحلة من تلك الذاكرة.
رفيق النضال ورفيق «السكرة الجميلة» نايا شحود رحل أمس كما ترحل جميع الوجوه الجميلة في هذه المدينة التي لم يعد هناك مكان فيها لشيء جميل. في الأمس، لم يعد يستطيع الوقوف على رجليه ودخل في غيبوبة لم يحتملها كما كتب أحد أصدقائه على صفحته.

 

جريدة الاخبار اللبنانية

1\8\2016

Facebook Comments

POST A COMMENT.