حاوره: وسيم الزهيري||
قال أستاذ القانون الدولي بول مرقص إن الدستور اللبناني ينص على ضرورة اجتماع مجلس النواب حكما لانتخاب رئيس عند خلوّ سدة الرئاسة
ودعا مرقص في حديث للجزيرة نت تعليقا على استمرار الشغور الرئاسي، إلى توضيح النص المتعلق بآلية انتخاب الرئيس ووضع جزاء عدم ممارسة النواب سلطة الانتخاب إسوة بدساتير الدول المتقدمة.
بداية مرّ عامان على الفراغ في منصب رئاسة الجمهورية، ألا يشكل ذلك انتهاكا للمبادئ الدستورية اللبنانية؟
طبعاً، فالمواد الدستورية 73 و74 و75 واضحة لجهة ضرورة التئام مجلس النواب اللبناني حكماً دون حاجة لدعوة، وفوراً دون أي دون إبطاء، على أن يتوالى النواب على الانعقاد دورة تلو الأخرى لغاية انتخاب رئيس دون مبارحة المجلس.
وتحديداً، تنص المادة 74 من الدستور على وجوب اجتماع مجلس النواب “فوراً بحكم القانون” عند خلو الرئاسة لأي علّة كانت.
وتنص المادة 75 منه على “أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أي عمل آخر”.
الدعوة لجلسات انتخاب الرئيس مستمرة وحتى الآن لا رئيس، إلى متى يمكن أن يستمر الواقع الحالي؟ وبالتالي إلى أي مدى يمكن شغور هذا المنصب من الناحية الدستورية؟
يمكن أن يستمر الشغور إلى ما شاء النواب المتقاعسون عن واجباتهم الدستورية المعززة بدعوة رئيسهم المتتالية دون طائل، أو طالما لم تأتِ إشارات من الدول الكبرى الإقليمية و/أو الدولية تملي عليهم الانتخاب.
وفقاً للدستور اللبناني، ينبغي أن ينال المرشح ثلثي أصوات أعضاء البرلمان، أي 86 من أصل 128 صوتاً، ليتم انتخابه من الجولة الأولى. أما في الجولات اللاحقة، فيمكن أن يحقّق الفوز الرئاسي إذا نال ببساطة غالبية الأصوات. هل يمكن شرح الآلية الدستورية المتصلة بعملية التصويت؟
يجدر التأكيد أولاً على أن النصاب ليس حكراً على جلسات المجلس النيابي. فهو قاعدة عامة تحكم كيفية انعقاد الهيئات المعنوية من أشخاص القانون العام (مجلس نيابي، مجلس بلدي…) والقانون الخاص (الجمعيات والشركات).
ثبت من خلال التجربة لا سيما في مناسبة الانتخابات الأخيرة لرئيس الجمهورية، أن عدداً من النواب يستفيدون من غياب النصّ الصريح في المادة 49 من الدستور اللبناني المتعلقة بانتخاب رئيس الجمهورية، حيث اكتفى المشرع الدستوري بذكر “الغالبية” (Majorité) افتراضاً منه أن لا حاجة لفرض النصاب على اعتبار أن الانتخاب سلطة واجبة الممارسة من النواب، ولما كان عدد من النواب قد توخّى استخدام تعطيل “النصاب” كوسيلة للتعبير السياسي وللتعبير عن خياراته الانتخابية عوض اللجوء إلى التعبير عن خياراته السياسية والانتخابية في الموقع الصحيح، فقد أسفر عن تعطيل التئام المجلس وخلاء سدّة الرئاسة.
ولما كان هذا الواقع فإنه أدى وقد يؤدي عملياً إلى تحكّم 43 نائباً باستحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية، وهو الفارق بين عدد أعضاء مجلس النواب وهو 128 والنصاب المعمول به أي 86 نائباً، وإلى منع مجلس النواب برمّته من الانعقاد، ولما كان خيار إدراج نصاب أدنى في المادة 49 المذكورة بموجب اقتراح قانون تعديل دستوري قد يؤدي إلى الانتقاص من القدرة التمثيلية القصوى التي يُفترض أن يحوزها الرئيس، فيقتضي عوض ذلك، والحال هذه، السعي لضمان قيام النواب أنفسهم بممارسة واجبهم في الانتخاب وفق خياراتهم السياسية المشروعة، عن طريق توضيح وتوطيد النص الدستوري المتعلّق بآلية الترشيح إلى الانتخابات وتعزيز احتمالات انتخاب المرشح الأكثر تمثيلاً بين المرشّحين وبأفضل غالبية ممكنة مع الحدّ من احتمال تعذّر الانتخاب أو تعطيله، ووضع جزاء عدم ممارسة النواب سلطة الانتخاب لا سمح الله أسوةً بدساتير الدول المتقدمة وفي طليعتها فرنسا التي اقتبس دستور الجمهورية اللبنانية أحكامه من النظام السائد فيها عند وضعه، والذي يفرض اقتطاعاً من مستحقات النواب المتخلّفين عن حضور جلسات الجمعية العامة الفرنسية في استحقاقات أقلّ شأناً من الانتخابات الرئاسية.
الحكومة تقوم حاليا بعملها ولو بالحد الأدنى بعد انتقال صلاحيات الرئيس إليها مجتمعة. بداية كيف يتم اتخاذ القرارات في الحكومة في ظل غياب الرئيس؟ وبالتالي هل المطلوب موافقة كل أعضاء الحكومة على كل قرار يتخذ؟
تنص المادة 62 من الدستور على أنه في حال خلو سدة الرئاسة لأي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء.
وفي ظلّ سكوت النص عن تعيين عدد معيّن من الأصوات المطلوبة في مجلس الوزراء لممارسة صلاحيات رئيس الجمهورية، يتجاذب الفقه الدستوري في لبنان رأيان متناقضان: الرأي الأول يستند إلى الفقه الأجنبي الذي لا يشترط توقيع جميع الوزراء على ممارسة صلاحيات الرئيس، ويقول بضرورة توافر أكثرية من الوزراء تحدّد تبعاً للموضوع المطروح، بينما يعتبر الرأي الثاني الذي يتبنّاه عدد قليل جداً من القانونيين، أكثر تشدّداً في الحرص على صلاحيات الرئاسة لكنه يعوق عجلة الحكم لأنه يشترط موافقة جميع الوزراء.
ولما كان قد سبق إصدار مراسيم عن مجلس الوزراء في ظل الفراغ الرئاسي بعد انقضاء عهد الرئيس إميل لحود، ويجري حالياً إصدار مراسيم بعد انقضاء عهد الرئيس سليمان، ويتم نشر هذه المراسيم في الجريدة الرسمية وهي تحمل في أسفلها عبارة “صدر عن مجلس الوزراء” بدل التعبير المألوف “صدر عن رئيس الجمهورية”، مصحوبة بتواقيع رئيس مجلس الوزراء والوزراء الممثلين في الحكومة.
لذلك وبالقياس، فإنه يحق لمجلس الوزراء أن يقوم بإصدار القوانين ونشرها وكالةً عن رئيس الجمهورية في ظل الشغور الرئاسي استناداً إلى أحكام المادة 56 معطوفة على المادة 62 من الدستور.
ماذا عن عمل البرلمان في ظل غياب رئيس الجمهورية؟ وما هي انعكاسات هذا الغياب على العمل النيابي؟ بمعنى هل هناك مواضيع يمنع بتها بغياب الرئيس؟
تنص المادة 74 من الدستور على وجوب اجتماع مجلس النواب “فوراً بحكم القانون” عند خلو الرئاسة لأي علّة كانت.
وتنص المادة 75 منه على “أن المجلس الملتئم لانتخاب رئيس الجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة مشرّعة ويترتب عليه الشروع حالاً في انتخاب رئيس الدولة دون مناقشة أو أي عمل آخر”.
فحرفية هاتين المادتين تؤول إلى عدم جواز التشريع في ظل الخلو في سدة الرئاسة، حتى إنه يمتنع على مجلس النواب القيام بأي عمل آخر قبل انتخاب الرئيس. وُضع هذا النص لترميم حالة مؤقتة. وتالياً يصحّ هذا التفسير الحرفي في حالات الشغور القصير المدّة في سدة الرئاسة، لأن المشرع الدستوري لم يتصوّر ولا يُعقل أن يتصوّر خلوًّا يدوم شهوراً لأنه لا يُعقل عدم وجود مرشّح لتبوؤ هذه السدة.
اليوم هناك سجال حول انعقاد البرلمان فيما يعرف بـ”تشريع الضرورة”، فما هي هذه الضرورة التي يحكى عنها؟
على المجلس أن يمتنع عن التشريع أو أي عمل آخر سوى الانتخاب في فترة الشغور الرئاسي الأولى، بما فيها ما يسمى التشريع الضروري. وعليه بالتأكيد ليس من صلاحياته الضرورية بت أي موضوع مهما كان ملحا وليس من صلاحياته أبدا تمديد ولايته مرة ثانية. كما أن التذرّع بالأسباب الأمنية القاهرة لا تصحّ في حالتنا الراهنة لأن هذه الظروف على فرض توافرها ليست دائمة ومستمرة ولا عامة شاملة مختلف مراكز الاقتراع. بل أعتقد أن تجديد الشرعية النيابية في الظروف الراهنة إنما يسهم في إعادة الاستقرار وتثبيته وليس التمديد.
كيف يمكن تصنيف الحوارات القائمة حاليا سواء الحوار الوطني أو الحوار بين تيار المستقبل وحزب الله؟ هل يمكن أن تشكل بديلا للدور المنوط برئيس الجمهورية كرمز لوحدة الوطن؟
إن كل حوار خارج إطار البرلمان والحكومة لا قيمة دستورية له لأن كل حوار يجب أن يقوم داخل المؤسسات وليس على ضفافه.
هناك حديث عن أن تكرار الشغور في منصب رئاسة الجمهورية المخصص للطائفة المارونية يمكن أن يطرح لاحقا إحداث تغيير في صيغة النظام السياسي اللبناني لا سيما في ضوء المتغيرات السياسية والديمغرافية في لبنان والمنطقة؟
هذا من المفترض أن يحفز أكثر على الانتخاب وعلى تعديل الدستور لناحية إلزام النواب بالانتخاب. المشكلة هنا ليست مشكلة في النظام حتى يتم تعديله، بل هي مشكلة أشخاص ونوايا بعدم الانتخاب. فعدم قيام النواب بممارسة صلاحياتهم وانتخاب الرئيس سببه التقاعس فقط.
الجزيرة نت
18\5\2016 |
POST A COMMENT.