لهذا أقرأ

   لماذا نقرأ الصحف؟ أي مادة تستهوي الشاب أو الشابة إلى عناوين الصحف اليوم؟ أو تدفع بهما إلى كشك على الرصيف، لتأبط جريدة؟ بالنسبة لي، وعلى المستوى     الشخصي، لست بحاجة للتفكير في أسباب القراءة. لكل خبر مكتوب عندي سبب للقراءة، وكذلك كل تقرير أو تحقيق أو عنوان قليل الكلام مكثف التعبير. ما علينا. لماذا يقرأ الآخرون في متاهة صفحات الصحف، وأي مادة تدلق تحت أعينهم. القراء تغيروا والصحف لا تزال هي ذاتها. كان هناك محطة تلفزيون واحدة أو اثنتان، لا تستوي مشاهدتهما الا بعد مناورة مع الهوائي لالتقاط البث. اليوم مئات المحطات رهن كبسة إصبع. ومادة الصحف لا تزال ذاتها. أي شاب/ شابة مستعد لقتل وقته بأخبار عن شبطيني وريفي ومكتبهما في وزارة العدل؟ أو هل انتهت «14 اذار» ومتى تأفل «8 آذار». أو ماذا يدور بين الرابية ومعراب ووزارة الاتصالات والتنمية المستدامة وغيرها من العناوين الحجرية الصمّاء في لبنان، لا تبخيساً بأهمية القضايا السالفة بل احتقاراً للقيمين عليها. اللبنانيون غير معنيين بمؤسساتهم ولا بما تنتج. اقتنعوا انها باقية بقوة الفساد لا الاستمرار والحاجة. ولهذا لا تهزهم فضيحة ولا كارثة ولو نالت من صحتهم وأرزاقهم وعلمهم. الزبالة تحولت نكتة والشهادة إفادة، وقوى الأمن تسرق فواتير مرضاها، والقضاء يحرس المفسدين. وآخر فضائحه التي تمر من دون ضجة حكم على النيات لا الوقائع، يمنع زملاء من نشر ما قد يكون فضيحة مالية. المنع بات مفيداً لأنه يبقى أفضل من إظهار العجز والإفلات من العقاب.
ما علينا لماذا نقرأ؟ نقرأ للترفيه، للبحث عن حقيقة، وللتقدير وللاطلاع والمعرفة. هل تساهم صحفنا بأي من هذه؟ بالتأكيد نعم. ولكن تغيب عنا المهمة الأساس: تمثيل الرأي العام في محاسبة السلطة. أزمة الصحافة اليوم ليست قرّاءً تضاءل عددهم وورقاً ارتفع ثمنه، وانترنت أباح المنابر لكل مدعي إعلام. لا. الأزمة، والتي رفعت «السفير» الصوت حتى الانتحار في مواجهتها، هي الافتراق عن الدور والغاية. نحن صحف علاقات عامة لا رأي عام. وقبل البحث في سبل الخروج من أزماتنا الأفضل العودة الى الجذور: المحاسبة. الصحافة تبدل الوسائط ولكنها تبقى.
بالعودة الى سؤال لماذا نقرأ. أذكر في يوم من أيام حصار بيروت في آب في العام 1982، مرت ليلة من قصف لم يهدأ. كنت في المنزل مع الراحل منح الصلح قرب «مركز الأبحاث الفلسطينية»، ونخشى من أن تستهدفه طائرات الاحتلال. كان القصف ليلتها من الأعنف، وغابت الإذاعات عن الأثير الا «صوت لبنان» و«لبنان الحر» التى كررت عشرات الاخبار عن انكفاء المقاومة، ونجاح العدو باختراق أسوار بيروت من أكثر من محور، المتحف وخلدة وغيرها. قبيل الصبح، استهدفت قذيفة مبنى مدرسة رسمية قيد الإنشاء في مواجهة المنزل، فامتلأت الغرف بغبار الركام والزجاج المهشّم. هدأ القصف، لم نكن غفونا بعد.. نسمع طرقاً على الباب.. قلنا ربما جار يطمئن.. وإذ بصوت الزميل موفق مدني، أمدّ الله بعمره، يلعلع «صباح الخير يا بيك»، ودخل حاملا صحيفة «السفير»، وعنوانها «بيروت تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء»، وربطة خبز، العملة الصعبة في تلك الايام. تسمّرت أعيننا على الصحيفة باندهاش عيني مولود جديد، يكتشف الضوء للمرة الاولى. كانت لحظة عودة الروح والأمل والنشوة بالسلامة. لهذا أقرأ.

منير الخطيب / جريدة السفير

31/3/2016

Facebook Comments

POST A COMMENT.