يصدمك أن الأطباء النفسانيين هم غالباً ما يرسمون خطط التعذيب في السجون، وهذا ما أكده الإعلامي في قناة الجزيرة، سامي الحاج، في مقابلةٍ معه عن فترة سجنه في غوانتنامو، عندما سأله المُحاور: من يضع خطة تعذيب السجناء؟ ومن يخطط لطرق تعذيبهم؟ كان جوابه ساخراً وصاعقاً: من يدير سجن غوانتنامو هم أطباء نفسانيون، ذوو كفاءات عالية وعلمية متطورة، ويعتمدون على أحدث الطرق العلمية والنفسية لما يُسمى الحرب النفسية، والتي أساسها تدمير كرامة الإنسان وإحساسه بآدميته وإنسانيته. وبعض هؤلاء الأطباء النفسانيين يعملون لصالح وزارة الدفاع الأميركية، ووظيفتهم تحديد نقاط الضعف لكل مُعتق، ففي سجن غوانتنامو مثلاً، كما ذكر سامي الحاج، ومنذ اللحظات الأولى للاعتقال، يجلس المُعتقل بحضرة المُحققين والمسؤولين عن التعذيب الجسدي. ولكن، يرأس هؤلاء الطبيب النفساني الذي يُدير الجميع، وفق درايته العميقة بعلم النفس، والنفس البشرية، ويُحدّد من خلال أسئلة عديدة، وبعد أن يُعطي أوامره لمن يُعذب السجين وللمحققين، بأن يقوموا ببعض التجارب والممارسات مع السجين، كي يحدد نقاط ضعفه. فبعضهم نقطة ضعفه الخوف من الكلاب، عندها يطلب الطبيب النفساني أن يُعذّب السجين بهجوم الكلاب المُتوحشة عليه، وهناك من لا يحتمل نقص النوم، فيمنع من النوم أياماً. وآخرون يخافون الماء، فيتم إغراقهم طويلاً في ماءٍ مثلج أو بدرجة الغليان. الطبيب النفساني، لعظيم الأسف هو سيد التعذيب في سجونٍ كثيرة، ومنها سجن غوانتنامو، وهو العقل المُدبر والمُخطط لكنه ليس اليد المُنفذة، كل من حوله أدوات وأشخاص وظيفتهم الطاعة والتنفيذ، بعد أن يوزع عليهم الطبيب النفساني أدوارهم وخطة التعذيب لكل سجين.
نسي الأطباء النفسانيون أنهم أقسموا يوماً قسم أبقراط، إذ لا يجوز أن يحصل طبيبٌ على شهادة الطب، إن لم يُقسم قسم أبقراط بأن يُمارس مهنته بإنسانيةٍ وبضميرٍ حي، وألا يؤذي إنساناً، وأن يخفف آلام المرضى الجسدية والنفسية وألا يجري إجهاضاً جنائياً.
كيف يمكن لطبيبٍ يحمل أعظم مهمة إنسانية في العالم أن يصير مُجرماً! وأن يؤسس مدرسة علمية متطورة في أساليب تعذيب الإنسان جسدياً ونفسياً، وأن يُسخّر علمه وأبحاثه من أجل الشر والأذى. كيف يمكن لطبيبٍ أقسم أن يخفف معاناة الإنسان أن يُساهم في تعذيب الإنسان وإهانته، وأن يؤلف كتباً عن أحدث طرق التعذيب النفسي، ويعمل مستشاراً في السجون! مُعتمداً على ما تسمى الحرب النفسية، والتي تتلخص في المبالغة في الإهانة الدينية للمُعتقلين، وفي تعريتهم باستمرار، لأن التعرية أكثر ما يذل السجين، وتساويه مع الحيوان، إلى ما هنالك من تحرّشات جنسية وإغتصاب إلى إجبار السجين على ممارساتٍ فاحشةٍ لا تخطر ببال. كل تلك الممارسات المُهينة أبدعتها عقول أطباء نفسانيين باعوا ضميرهم للشيطان، وألقوا بقسم أبقراط في المزبلة، وما عاد لهم سوى قسمٍ واحد، هو الولاء المطلق للقوة الظالمة، ولإغواء المال القذر، القوة التي تُحقر الإنسان وتذله، وتهين كرامته.
كيف يشعر هذا الطبيب النفساني، وهو برفقة جلادين ومجرمين ورجال أمن ومخابرات، وهو يسهل مهمتهم، ويقدم لهم أحدث وسائل التعذيب النفسية والجسدية؟ كيف يشعر وهو يواجه إنساناً أعزل متألماً مضطرباً وخائفاً، وعليه كطبيب أن يخفف آلامه ويشفيه منها، بدل مضاعفتها، ويبالغ في سحق إنسانيته وتدميره وقتله.
تحت شعار محاربة الإرهاب، تُمرّر كل الجرائم والممارسات بحق الأفراد والشعوب، وهؤلاء الذين يتحكّمون بصنع القرارات في العالم، ويقيّمون البلاد والعباد حسب مصالحهم: إرهابي أم غير إرهابي.
ونحن نوجه كل غضبنا واستنكارنا واحتقارنا إلى القوة الغاشمة التي تعذّب السجناء، خصوصاً سجناء الرأي، علينا ألا ننسى العقل المُدبر والمفكر والمخطط لأساليب التعذيب النفسية والجسدية، وألا ننسى تلك العقارب السامة المختبئة في أروقة السجون، وأقبية المخابرات: الأطباء النفسانيين الذين باعوا أنفسهم للشيطان، وتنكّروا لقسم أبقراط. هؤلاء يجب أن تُسحب منهم شهادة الطب، ويتم تحويلهم إلى المحاكمة، بوصفهم مجرمين في حق الإنسانية والطب.
هيفاء بيطار\ العربي الجديد
29\3\2016
POST A COMMENT.