لبنان في جريدته الرسمية

يظنَّ البعض أن الجرائد الرسميّة، مجرّد نشرات قانونيّة تخصّ أجهزة الدولة على اختلافها ولا تتوجّه إلَّا للحقوقيين. وإذا كان من المؤكَّد أنَّ هذا النوع من الجرائد لا يحظى بانتشار الصحف العادية، لكنَّه يتمتّع بميزة مهمة جداً، كون الجريدة الرسميّة تواكب التحولات الكُبرى التي تعيشها الأوطان، وتعكس على صفحاتها كيف تتجسّد الحياة السياسيّة في نصوص قانونيّة تخفي صراع القوى وتضارب المصالح.
وقد شهد لبنان أولى صحفه الرسميّة، زمن المتصرفيّة مع صدور جريدة «لبنان الرسمية» في أربع صفحات باللغتين العربية والفرنسية سنة 1864 (بعض المصادر تذكر سنة 1867) في فترة حكم المتصرّف داود باشا. وعندما أصبحت بيروت عاصمة لولاية عثمانيّة كبيرة سنة 1887، قام والي المدينة الجديد علي باشا بإصدار جريدة «ولاية بيروت» الرسميّة سنة 1888 بطبعتين عربيّة وتركيّة لنشر أخبار وأوامر السلطات العثمانيّة. وفي العام 1891، أصدر ابراهيم بك الأسود جريدة كانت تُطبع في بعبدا، وأطلق عليها اسم «لبنان»، وتحوّلت إلى شبه رسميّة مع تبنّيها من قبل واصا باشا لنشر أخبار حكومة المتصرفيّة.
ولا شك أنَّ التطور الأبرز الذي عرفته الصحافة الرسميّة، كان في عهد الانتداب الفرنسي. ففي سنة 1920، أعلن الجنرال غورو إنشاء دولة لبنان الكبير ومنحه استقلالاً ذاتياً وحكومة محليّة لإدارة شؤونه. وهكذا صدرت «جريدة لبنان الكبير الرسميّة» سنة 1921 باللغتين العربيّة والفرنسيّة، وكان ثمن العدد الواحد «غرشين سوريين»، أمَّا ثمن الاشتراك السنوي فكان 225 غرشاً للداخل و300 غرش للخارج.
من جهتها، قامت سلطات الانتداب اعتباراً من عام 1920، بإصدار نشرة رسميّة تحتوي على قرارات المفوض السامي، عرفت بـ «النشرة الرسميّة للأعمال الإدارية في المفوضية العليا». ومع تبنّي الدستور سنة 1926 وتحوّل لبنان إلى جمهورية، تبدّل اسم الجريدة الرسميّة ليصبح جريدة «الجمهورية اللبنانية الرسميّة».
ومنذ ذلك التاريخ، ما زالت الجريدة الرسميّة تصدر بشكل أسبوعي رغم توقّفها لفترة عن الصدور سنة 1976 خلال الحرب. وتعتبر أعداد الجريدة الرسميّة القديمة، لا سيما تلك التي تعود لفترة لبنان الكبير، نادرة جداً، ويصعب الاطّلاع عليها خاصة من قبل الباحثين، نظراً لغياب أرشيف وطني وانعدام ثقافة حفظ الوثائق الرسميّة في إدارات الدولة. فالجرائد العريقة تشكّل ذاكرة لبنان، وهي تحمل هويّته وإرثه دائماً وأبداً.

وسام اللحام \ جريدة السفير

24\3\2016

Facebook Comments

POST A COMMENT.