شارع الحمرا ببيروت.. ذاكرة ثقافية وشاهد تاريخي

عفيف دياب || الجزيرة نت ||
لم تعد طقوس الشاعر شوقي بزيع كما كانت في شارع الحمرا بالعاصمة اللبنانية بيروت. تغير الشارع كثيراً بالنسبة لبزيع ومجموعة من أقرانه الشعراء والكتاب والمثقفين.
مقهى “كافيه دو باري” الذي كان يرتاده بزيع منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي وحتى تسعينياته مع زملاء “القصيدة” التي كانت تنطلق من طاولة في زاوية المقهى وتعبر من المحيط إلى الخليج، أقفل إلى غير رجعة بعد أن تحول إلى محل تجاري، مفرقاً “عشاق” الكلمة إلى أماكن أقل دفئاً حيث تحاصرها واجهات الثياب العصرية و”ثقافة الاستهلاك” السريع.
وحال مقهى “كافيه دو باري” لا تختلف عن مقاه أخرى سبقته إلى الإقفال في أواسط عقد تسعينيات القرن الماضي. فمقهى “ويمبي” الشهير أصبح أثرا بعد عين وواجهة تجارية، ولحق به مقهى المودكا.
وسبقهما إلى الشهرة والإقفال مقهى “هورس شو” الذي انطلق عام 1959 كأول مقهى رصيف في الشارع وتحول إلى أهم ملتقى للمثقفين اللبنانيين والعرب على اختلاف مشاربهم وعقائدهم وأحلامهم، ثم مقهى “إكسبريس” و”مانهاتن” و”نيغرسكو” و”إلدورادو” و”ستراند”، ما عدا مقاه وحانات أخرى دخلت في طي التاريخ والماضي الجميل.
احتضار شارع
واحتضار أو موت مقاهي المثقفين في شارع الحمرا البيروتي، لا يجده الشاعر بزيع وصفًا دقيقا. ويرى أن الشارع سيبقى -مهما تغير- عنصر جذب للكتاب والفنانين والناس بشكل عام.
ويقول بزيع للجزيرة نت إن شارع الحمرا قبل الحرب الأهلية (1975-1990) كان شارعاً نخبوياً و”ذاكرة المدينة وخزانها وروحها”، مبديا أسفه “لانتهاكه من المعادن غير الإنسانية”. ويضيف أن المدينة “لم تعد تشبه نفسها، والشارع هو تعبير عن المدينة، وهذا الإناء ينضح بما فيه”.
وانتهاك شارع الحمرا في بيروت لم يشمل فقط مقاهي الرصيف على جانبيه، بل أصاب أكشاك بائعي الصحف والكتب، فتراجع نشاط الباعة ونهم القراء. ويقول أبو نعيم الذي يبيع الصحف والكتب في الشارع منذ العام 1967 إن شارع الحمرا “سيبقى من أهم الشوارع مهما تغيرت أحواله”.
ويضيف الرجل أن قيمة الشارع (طوله 1300م) الذي اكتسب شهرته من مقاهيه التي كانت منتشرة على جانبيه وأعطته طابعه الخاص، “جاءت من تنوعه الهائل”. ويردف “الشارع جزء من حياتي”، معبرا عن حسرته “على أيام زمان، وطاولات الشعر وتحليل ما يدور في العالم من مشاكل وسياسات”.
وشارع الحمرا في بيروت، الذي تحول إلى بيت لمحمد الماغوط ومحمود درويش وعمر أبو ريشة وإنسي الحاج ومحمد الفيتوري ونزار قباني وبلند الحيدري وغيرهم المئات من الكتاب والشعراء والأدباء اللبنانيين والعرب، أصبح أغنية “سياسية عاطفية” مشهورة غناها الفنان خالد الهبر، وأخرى أدتها المطربة صباح، وفي رحابه احتفت بيروت بدرويش شاعرا للمقاومة.
من خندق لشارع
الشارع الذي بدأ كزقاق عرف باسم “زقاق الحمرا” في العام 1898 بعد أن كان اسمه “خندق ديبو” ويسكنه مزارعون وصيادو أسماك، مكتسباً اسمه من عائلة الحمرا التي استوطنت المنطقة منذ مطلع القرن الخامس عشر، رفع تأسيس الجامعة الأميركية عام 1866 من وتيرة نموه.
ويقول مختار رأس بيروت ميشال بخعازي إن تطور منطقة رأس بيروت ومعها شارع الحمرا تسارع مع بدء تأسيس الجامعة الأميركية، وصار “الخندق” شارعاً توسع تدريجياً وأصبح أشهر من بيروت.
ويضيف المختار أن سكان الحمرا كانوا قبل العام 1918 يهتمون بالأشجار ويعملون على اصطياد العصافير وبيعها كمصدر عيش لهم، إلى أن أصبحت المنطقة سوق بيروت اليوم بعد أن أعطتها مقاهي المثقفين هوية لا تموت.
الجزيرة نت
18/3/2016

Facebook Comments

POST A COMMENT.