الصحافة الورَقية في لبنان مهدَّدة بالأفول!

كأن الصحافة اللبنانية تستعدّ لـ «تنكيس» أقلامها… أقلام استعصت على الانكسار أيام الحروب الأهلية والاجتياحات الاسرائيلية، وفي أزمنة الوصاية ومعارك الزواريب وبطش الميليشيات، وفي مواسم الشحّ والقمع والأزمات.
… كأن بيروت على وشك ان تودّع حبرها الرديف لبحرها، ان تستسلم لحربٍ من نوعٍ لم يعرفه لبنان من قبل، ان ترفع الرايات البيض أمام مصيرٍ أسود يحلّ بوطن الحرف الأول والمطبعة الأولى والصحيفة الأولى في الشرق البائس.
لا علاقة لما يشاع عن احتمال أفول كبريات الصحف اللبنانية بمماشاة الحداثة او سعي البعض لـ «كسر يده ليشحذ عليها» او بالانتقال الطوعي الى الزمن الالكتروني، بقدر ما ترتبط «الفاجعة» بالموت البطيء للبنان كما كان.
فبعد قرن ونصف القرن على صدور أول صحيفة عربية من بيروت وفيها (حديقة الاخبار 1858) ومن ثم انتقال الإبداع اللبناني الى دنيا العرب لتأسيس صحف ومجلات، انفجرت او تكاد أزمة الصحافة اللبنانية «المترنّحة» منذ أعوام لأسباب وأسباب وأسباب.
ورغم الانطباع الذي ساد اخيراً بأن الإعلام اللبناني المقروء والمكتوب وربما المسموع في «ورْطة»، فإن المفاجأة كانت دراماتيكية حين تسلّل اكثر من «تعميم» داخلي في صحف بيروتية وخرج الى الملأ في يوم واحد امس ما أوحى ان في الأمر «مصيبة».
ولم يعد سراً ان العاملين في صحيفة «السفير» باغتهم كتاب موقّع من رئيس التحرير طلال سلمان جاء فيه: «يهمّ رئيس التحرير أن يحيط الزملاء في أسرة (السفير) بأننا عشية العيد الثالث والاربعين لاطلاق هذه الصحيفة المميزة وذات الدور التاريخي نواجه ظروفاً وتحديات صعبة، صحيح أن (السفير) قد عاشت في قلب الصعوبة دائماً، إلا أن الظروف قد اختلفت، خصوصاً في ظل ثورة المعلومات (مواقع الإعلام)، فضلاً عن تبدل الأحوال في طول الوطن العربي وعرضه، ونحو الأسوأ، مع الأسف. كذلك فإن الظروف السياسية والاقتصادية فاقمت الازمة، لا سيما وأنها قد انعكست على الدخل الإعلاني وعلى الاشتراكات وصولاً إلى البيع. في مواجهة هذا الواقع الصعب والمرشح بأن يزداد صعوبة، في المرحلة المقبلة، كان من الطبيعي أن يبادر مجلس الادارة في (السفير) إلى طرح الاحتمالات جميعاً للنقاش بما فيها خيار التوقف عن الصدور… وفي انتظار تبلور القرار تستمر (السفير) بالصدور. ويهمني أن أطمئن العاملين جميعاً أن أي قرار يُتخذ سيُصار إلى إبلاغكم به فور تبلوره، مؤكداً أن حقوق العاملين مصانة بل مقدسة».
واذا كان البعض اعتبر تعميم سلمان أشبه بـ «استغاثة» لحفظ «الرمق الأخير» من امكان استمرار «صوت الذين لا صوت لهم»، فان آخرين لم يستبعدوا احتجاب الطبعة الورقية للحدّ من الخسائر وتعزيز الموقع الالكتروني لـ «السفير» التي لعبت أدواراً محورية في الصراع السياسي كمنبر عروبي – يساري، ومن ثم كحاضنة إعلامية لـ«حزب الله» وخياراته.
وبالتزامن مع انكشاف أزمة «السفير»، خرجتْ الى العلن أزمة مماثلة تطول صحيفة «اللواء» مع تسريب تعميم إداري لرئيس تحريرها صلاح سلام قبل اسبوع اعلنت فيه الادارة انها «فتحت باب الاستقالة أمام مَن لا يستطيع الاستمرار في العمل في هذه الظروف القاسية، بدءاً من 15 مارس الجاري».
وبهذين التعميمين تنضمّ «السفير» و«اللواء»الى «النهار»الصحيفة المخضرمة التي تعاني ازمة صامتة متدرّجة منذ اغتيال رئيس تحريرها النائب جبران تويني ورحيل عميدها غسان تويني. فالضائقة المالية التي تواجهها ادت الى وقف صدور مَلاحقها الواحد تلو الاخر، وآخرها كان الملحق الثقافي، اضافة الى التعثر الدائم في صرف رواتب الموظفين، على غرار ما يحصل ايضاً في صحيفة«المستقبل»والمؤسسات الاعلامية الاخرى التابعة لـ «تيار المستقبل»، الذي يتزعمه الرئيس سعد الحريري.
وإن تكن هذه المفاجأة القاسية غير مفاجئة، فان الواقع الصحافي – الاعلامي الصادم فجّر سلسلةً من التحركات والمواقف بدأها وزير العمل سجعان القزي الذي قال في بيان أصدره صبيحة امس:«شعرت بالأسى والاكتئاب وانا أقرأ البيانات الصادرة عن إدارات عدد من المؤسسات الصحافية المرئية والمسموعة والمكتوبة، ومن بينها اخيراً بيانا الصديقين والزميلين طلال سلمان وصلاح سلام. وكلّها تشكو بصدق صعوبة الاستمرار بالصدور نتيجة الضائقة المالية فيما تعج البلاد بالثروات الطائلة التي تصرف على امور سطحية وتافهة».
واعتبر ان «اغلاق المؤسسات الاعلامية او حتى ضعفها يفقد لبنان دوره التاريخي منارةً للإعلام والثقافة والحريات»، داعيا الى وجوب التحرك لإنقاذ الصحافة اللبنانية، وإن من خلال صندوق دعم يمول من القطاعين العام والخاص ويديره مجلس مشترك.اما مجلس نقابة المحررين فعقد امس اجتماعاً طارئاً خلص الى بيان اعلن فيه انه قرر«التصدي للأزمة التي تعانيها الصحف اللبنانية بتحرك واسع من خلال اجتماعات مع رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة تمام سلام ووزير الاعلام رمزي جريج ووزير العمل سجعان القزي للبحث في وسائل تأمين ديمومة عمل الصحافة اللبنانية».
وقال نقيب المحررين الياس عون لـ«الراي» بعد الاجتماع «اننا امام أزمة فعلية وكبيرة»، مطالباً الدولة بـ «الاهتمام بهذه الأزمة، اذ لا يُعقل تجاهل ما يجري بعدما كان لبنان رمزاً للصحافة العربية وساهم في إغناء الصحافة في مصر ودول الخليج قاطبة».
(وسام ابو حرفوش)
جريدة الراي الكويتية
17/3/2016

Facebook Comments

POST A COMMENT.