زارت المبعوثة الخاصة لمفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، أنجلينا جولي، مخيمات للنازحين السوريين في سهل االبقاع اللبناني، متفقدة احوالهم ومطلعة على معاناتهم في السنة الخامسة لازمة بلادهم. وشكرت انجلينا جولي الشعب اللبناني على المساعدة التي قدّمها لإنقاذ حياة أكثر من مليون شخص سوري. وقالت :”ليس من السهل على أي بلد أن يستضيف عدداً من اللاجئين يساوي ربع عدد سكانه”. واضافت “لكن، وعلى الرغم من حجم المسؤولية، أتمنى أن تكونوا مدركين للرسالة التي تعكسها هذه المساعدة حول قيم الشعب اللبناني وشخصيته وروحه.. أنتم اليوم قدوة للعالم في الكرم والإنسانية والصمود والتضامن”.
وتابعت جولي “لا يغيبنّ عن بالنا أبداً أنه وعلى الرغم من التركيز الكبير الموجّه حالياً نحو وضع اللاجئين في أوروبا، فالضغط الأكبر لا يزال سائداً في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كما كان طوال السنوات الخمس الماضية”. مشيرة الى ان هناك حالياً 4.8 مليون لاجئ سوري في المنطقة، فضلاً عن 6.5 مليون نازح داخل سوريا.
وقالت :”كم كنت أودّ أن أكون اليوم، في الذكرى الخامسة لبدء النزاع السوري، في سوريا، وأنا أساعد
المفوضية على مواكبة عمليات العودة وأرى العائلات التي تعرّفت عليها قادرة على العودة إلى ديارها. إنه لأمر مأساوي ومخز أن نرى أنفسنا بعيدين كل هذا البعد عن هذه المرحلة”. وتابعت “لقد أعرب سائر اللاجئين السوريين الذين تحدثت معهم خلال هذه الزيارة، من دون استثناء، عن رغبتهم في العودة إلى منازلهم عندما تنتهي الحرب ويصبح الوضع آمناً – لم أر استسلاماً في عيونهم وهم يتحدثون عن العودة، وإنما بريق الحلم بالتمام شملهم مع البلد الذي يحبون”.
وحول ما لمسته من زيارتها للنازحين قالت انجلينا جولي :” لقد استشفيت من هذه الزيارة مدى استماتة هذه الأسر وكفاحها اليوم من أجل الصمود في وجه التحديات. فبعد خمس سنوات من المنفى، لا بد أن تكون مدخراتهم قد استنفدت. والعديد من الذين كانوا يعيشون في شقق في بداية الأزمة باتوا يتجمّعون اليوم في مراكز تسوّق مهجورة أو مخيمات عشوائية ويرزحون تحت ثقل الديون المتراكمة”. لافتة الى ان “عدد اللاجئين الذين يعيشون بأقل من الحد الأدنى من مقومات البقاء قد تضاعف – أي العاجزين عن تأمين الغذاء والمأوى الضرورين للبقاء على قيد الحياة – خلال العامين الماضيين في لبنان، علماً أن 79% من مجموع اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان هم من النساء والأطفال”.
ودعت جولي الى “فهم الوقائع الرئيسية التي تكمن خلف أزمة اللاجئين في العالم – الناتجة ليس فقط عن الحرب السورية، وإنما عن عقود طويلة من الصراعات المفتوحة والاضطهادات: في ميانمار ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا والصومال وجنوب السودان وأفغانستان واليمن والعراق وسوريا. واللائحة تطول”.
وقالت :”عدد اللاجئين اليوم أعلى من ذلك الذي سجّل إبّان آخر حرب عالمية شهدناها. نعيش اليوم وقتاً عصيباً على الصعيد الدولي، إذ تبدو تداعيات أزمة اللاجئين وكأنها تفوق إرادتنا وقدرتنا وحتى شجاعتنا لمواجهتها والتصدي لها”. موضحة انه غالباً ما يلجأ النازحون في أزمنة الحرب إلى مناطق آمنة أو دول مجاورة بحثاً عن الأمان أو يتم إيواؤهم والتكفّل باحتياجاتهم في مخيمات للاجئين إلى أن يتمكنوا من العودة إلى ديارهم بشكل آمن. وفي بعض الظروف الاستثنائية، يتم إرسال عدد منهم إلى الخارج لإعادة التوطين أو اللجوء.
واضافت “على الرغم من الأسى والغضب الذي يتملّكنا عند الاستماع إلى قصص وشهادات اللاجئين، فالوقت اليوم ليس وقتاً للعواطف والمشاعر. لقد حان الوقت للعقل والهدوء والتبصر. وأود هنا أن أعرب عن تفهمي لمخاوف الناس في العديد من البلدان بشأن وضع اللاجئين. فهم قلقون بشأن العواقب التي قد تواجه مجتمعاتهم ومصادر رزقهم وأمنهم في حال موافقتهم على استقبال اللاجئين في بلدانهم”. وتابعت “ليس من الخطأ أن يشعر المرء ببعض الاضطراب إزاء أزمة على هذا القدر من التعقيد وبهذا الحجم. ولكن يجب ألا ندع المخاوف تسيطر علينا. ويجب ألا نسمح للخوف بعرقلة الاستجابات الفعالة التي تصبّ في مصلحتنا على المدى الطويل”.
وقالت انجلينا جولي :” رجائي اليوم أن تتحلّى الحكومات في جميع أنحاء العالم بروح القيادة: فتقوم بتحليل الوضع وتحدّد المساهمة التي يمكن لبلادها تقديمها؛ وتعمد إلى تحديد عدد اللاجئين التي يمكنها مساعدتهم والسبل الممكنة، فضلاً عن المجتمعات والإطار الزمني، لتقديم هذه المساعدة. كما لا بد من شرح ذلك كله لمواطنيها وتبديد مخاوفهم – وذلك ليس استناداً إلى العاطفة، وإنما بناءً على تقييم حسابي ودقيق لما يمكن ويجب القيام به لتقاسم المسؤولية ومواجهة هذا الوضع”.
ودعت الى “وضع إجراءات لجوء متينة، تسمح بتقييم احتياجات العائلات اليائسة وتحديد الأكثر تأثراً وعرضة للخطر بينها وتلك التي تحتاج فعلاً للجوء – وهي عملية لطالما قدّمت المفوضية الدعم إلى الحكومات لتنفيذها على مدى عقود من الزمن”. مناشدة سائر الحكومات دعم اتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بوضع اللاجئين والقانون الدولي لحقوق الإنسان الأساسية؛ فحماية الفارين من الاضطهاد والموت وحماية المواطنين في الداخل أمر ضروري وممكن. ليس علينا الاختيار بين الاثنين.
وقالت :”لقد وُجدت القوانين والاتفاقيات الدولية الملزمة تحديداً بسبب إغراء الانحراف عنها في أوقات الضغط. غير أن التاريخ الحديث قد علّمنا أن الانحراف عن القوانين والمبادئ الأساسية إنما يؤدي إلى مشاكل أسوأ في المستقبل.
وحول لقائها مع نازحين سوررين قالت :”أمضيت بعض الوقت مع أم كانت قد أُصيبت بالشلل جرّاء استهدافها برصاص قناص في إحدى المناطق المحاصرة في سوريا. وهي تقبع في غرفة واحدة، حيث تعيش مع عائلتها كلها، في مخيم عشوائي صغير وبارد هنا في منطقة البقاع. لم تطلب مني شيئاً أثناء حديثنا؛ لم تتوقف عن الابتسام ولم تذكر أي شيء غير رغبتها في تمكّن أطفالها من ارتياد المدرسة والحصول على حياة أفضل. عندما رأيت ابتسامتها الجميلة وشاهدت زوجها وأطفالها يعتنون بها بتفانٍ كبير، شعرت بالذهول والرهبة إزاء شجاعتهم. إنهم أبطال في نظري. وأسأل نفسي عما صنعناه وما نحن صائرون إليه عندما أرى العالم يُشعر هؤلاء الناجين بأنهم متسولون!
(جدار )
تصوير أسامة القادري
POST A COMMENT.