عودة الحياة الى المنازل الطينية في بعلبك

تضمن مشروع حماية الارث الثقافي في بعلبك، الذي بدأ منذ اكثر من خمسة عشر عاما بند دعم المنازل التقليدية وعددها 18 منزلا تم بناؤها من الطين والحجر على ان تبدأ المرحلة الاولى بترميم خمسة منازل، لتقوم البلدية (كان رئيس مجلس بلديتها آنذاك بسام رعد) بترميم المنازل المتبقية، علما أنها اصدرت قرارا في حينه بالمساهمة في مشروع ترميم البيوت الطينية بمبلغ تسعين ألف دولار اميركي لم يتم استخدامه حتى تاريخه. وبالفعل تم ترميم هذه البيوت خلال المرحلة الاولى من المشروع وذلك باعتماد المواد والتقنيات التقليدية لإنشاء البيوت الطينية. وبعد الانتهاء من الاشغال تم تسليم البيوت الى البلدية ليصار الى اشغالها من قبل اصحابها وفق الخطة الاقتصادية السياحية التي وضعت بالتنسيق مع البلدية والمالكين. إلا أن تسليم هذه البيوت الى اصحابها لم يحصل، وبالتالي بقيت خالية ومن دون اي استثمار ما ادى الى انهيار البعض منها بشكل جزئيC7N1.
إن مشروع الإرث الثقافي الهادف إلى تنمية التواصل بين المدينة وارثها المميز، برابط روحي ووجداني، ما كان ليبصر النور لولا تبنيه من رئيس بلدية بعلبك الأسبق غالب ياغي. والقاعدة التي انطلق منها المشروع كانت سليمة ومترابطة بكل العناصر المؤثرة، إلا أن التفلت اللاحق في إطار الدراسات والتلزيم والإشراف واستلام الأشغال وتعديل من هنا وزيادة من هناك أو إلغاء لحيز ما، كلها شكلت انحداراً للمشروع إلى الفشل.
رئيس الجمعية اللبنانية للزراعة الحضارية عمر صلح (نائب رئيس بلدية بعلبك) يشرح لـ«المستقبل» لماذا قررت الجمعية اعادة احياء البيوت الطينية فيقول: «نحن ولدنا في منازل طينية كما هي حال معظم المواطنين الذين تخطى عمرهم الخمسين. وهذه المنازل لم يعد لها وجود بعد ان تطورت عملية بناء المنازل حيث تحول ما بقي من منازل طينية الى تاريخ وتراث لمدينة بعلبك. وهذ الحي الذي يقع مقابل قلعة بعلبك التاريخية استطاع اهاليه المحافظة على الكثير من تلك المنازل. لذلك كان الاصرار من قبلنا كجمعية على ان يتم اعادة تأهيل هذه المنازل واستثمارها في السياحة. وقد تضمن مشروع حماية الارث الثقافي بندا يرتبط باحياء هذه المنازل. وبالفعل بدأ العمل في حينه وقد تم تأهيل خمسة منازل طينية منها منزل لم يدخل في اطار المشروع، على ان يتم بدء العمل في استثمارها لكن لم يحصل هذا الامر واهملت حتى وصل الامر ببعض المنازل نتيجة الاهمال الى الانهيار شبه الكلي وقد نشرت «المستقبل» بتاريخ 22 آب 2012 تقريرا حول هذا الموضوع«.
ويتابع:» بما ان هدفنا في الجمعية المحافظة على ما بقي من تراث وبما ان اصحاب تلك المنازل معظمهم من المزارعين الذين فقدوا ثقتهم بالسلطة المحلية التي كانت مسؤولة آنذاك عن المشروع وبما ان الجمعية قدمت عددا من المشاريع الزراعية استفاد منها اصحاب المنازل تعززت الثقة فيما بيننا وتم الاتفاق على ان نبدأ العمل في اعادة احياء تلك المنازل بحيث يصار الى استثمارها لفترة خمس سنوات بادارة الجمعية«.

ويلفت صلح الى أنه قبل حصوله على الموافقة لاعادة اعمال الترميم كان قد ارسل كتابا بصفته نائب رئيC7N3س مجلس بلدية بعلبك الى مجلس الانماء والاعمار طالبا العمل على «اعادة ترميم هذه المنازل الا ان مجلس الانماء وضع عدة شروط للموافقة منها تقديم تعهد باستثمار واستعمال تلك المنازل بالوجهة السياحية المخصصة لها لا ان يتم اهمالها او استعمالها بغير تلك الوجهة كما حصل سابقا، اضافة الى تقديم ضمانات باستمرارية استثمار تلك المنازل. وقد اعطت الجمعية كل الضمانات المطلوبة وتمت الموافقة وبدأنا العمل«.
ويضيف: «بعد الاتفاق مع الاهالي بدأت اعمال البناء والترميم بتاريخ 20/11/2015 وما زالت مستمرة حتى يومنا هذا وقد استطعنا خلال هذه الفترة القياسية انجاز ما نسبته % من اعمال البناء والترميم في اربعة منازل بدأ بها المشروع، ويبقى تجهيز تلك المنازل بالمفروشات اللازمة بحسب وجهة الاستعمال. وقد وضعنا مخططا لاستعمال تلك المنازل بحيث يتم عرض المنتوجات الحرفية واليدوية البعلبكية وهي كثيرة، ومنها سيستعمل لعرض المونة البعلبكية ، كما سيتم استعمال احدها كمطعم لتقديم الوجبات البعلكبية وغيرها، فيما المنزل الرابع سيتم استخدامه كـ. «موتيل» لاستقبال السائحين الذين يودون قضاء ليلة او اكثر قرب القلعة«.
ويوضح :»بدأت اعمال الترميم منتصف شهر تشرين الثاني 2015 وقد انجزنا نسبة 90 بالمئة من المشروع (البناء وتمديدات مياه الشفة والصرف الصحي والكهرباء والطرش وقد استعملنا الوان الابيض للجدران الداخلية والخارجية والازرق للأبواب والشبابيك اما من الداخل فقد استطعنا اعادة بناء الاسقف من خشب الاشجار (اللزاب) من الداخل مدعومة بأسقف من الاسمنت خارجيا لحمايتها من الامطار والثلوج. وقد استطعنا اعادة المنازل كما كانت عليه سابقا. ولاستكمال تلك المنازل من حيث فرشها بما يتناسب معها كصورة تراثية متكاملة استعانت الجمعية بالمهندس محمود علام الذي يعمل على وضع دراسة كاملة للمنازل الطينية وللحي بمجمله الهدف من تلك الدراسة ربطها بالشبكة السياحية. اما تمويل تلك المنازل لتجهيزها بالمفروشات والمعدات اللازمة فقد تلقينا وعدا من مؤسسة الوليد بن طلال الانسانية ان تأخذ على عاتقها تأمين التجهيزات والمفروشات اللازمة«.
ويشير الى ان التمويل قد «تم من البنك الدولي عبر مجلس الانماء والاعمار لصالح شركة البنيان التي تقوم حاليا باعادة تأهيل طريق صالح حيدر عبد الحليم الحجار (ضمن مشروع الارث الثقافي) الذي يمر في الوسط التجاري للمدينة وقد تم الاتفاق على اقتطاع مبلغ اقل من مئة الف دولار لاعادة ترميم المنازل الطينية كخطوة اولى وتأهيل الحي بمجمله ليكون انموذجا للأحياء التراثية التي تخدم السياحة في المدينة«.
ويشدد صلح على ان «اعادة الحياة لهذا المشروع حصلت بفعل المتابعة الحثيثة من قبل مجلس بلدية بعلبك الذي يشرف على كل الخطوات التي تقوم بها الجمعية لاستكمال مشروع اعادة الحياة الى المنازل الطينية في بعلبك«.

نضال صلح

المصدر: جريدة المستقبل اللبنانية

23-2-2016

Facebook Comments

POST A COMMENT.