حسين مروة: ستظلّ حياً في ذاكرةِ الوطنِ

ككلّ عام، نذكرك – شهيدنا الكبير حسين مروة – : (السابع عشر من شباط ، لحظة استشهادك، وقد مرَّ تسعةٌ وعشرون عاماً بالتمام) .. تُعذّبُنا كثيراً هذه الذكرى – الفاجعة، لكنْ كُنْ واثقاً – أيها الوالد والصديق والحبيب – أنّ هذا اليوم، سيظلّ يوماً خالداً في ضميرِ المناضلين َ الشرفاء، أيْنما كانوا .. سيظلّ حياً في ذاكرةِ الوطنِ وصَفَحاتِ التاريخ، ونحن جزءٌ من هذا الوطن وهذا التاريخ استشهدتَ من أجلِ قضيةٍ وفكرٍ ومبدأ … وكم عظيمٌ أن يقدّمَ إنسانٌ حياتَه من أجلِ قضيةٍ وطنيةٍ فكريّةٍ وإنسانية … لكنّ الأكثرَ عظَمَة، أن تخلدَ تلك القضيةُ باستشهادِ هذا الإنسان وأنْ تترسّخَ في أذهانِ الأجيالِ اللاحقة … حسين مروة – شخصيةٌ مسكونةٌ بهمومِ شعبها، تطمحُ إلى رفعِ مستوى الضيْمِ عنه، نثر وزْرعِ بذورِ اليَقَظةِ والتحررِ في ربوعه… شخصيةٌ أسَرَتِ العالم، وفتحتِ الطريقَ للعديدِ من الباحثين لتكملةِ المشوار… حسين مروة – الذي “ولد شيخاً واستشهدَ طفلاً” – رحلتُكَ انتهتْ برصاصةٍ ظلاميةٍ حاقدة، حرمتكَ من إنجازِ رائعتكَ الفكرية “النزعات المادية في الفلسفة العربية الإسلامية”، فبقيَتْ أفكاراً وآراءَ مدوّنة في أوراقَ ودفاترَ لا تُحصى، بقيَتْ كرؤوسِ أقلام، كُتِبَ آخرُها بخطٍ غيرِ مفهومٍ إلاّ منكَ أنتَ، وذلك بسببِ مرض “الباركنسون” الذي أصابَ أصابعكَ في مرحلةِ ما قبلَ الاستشهادِ بفترةٍ قصيرة… وهكذا تبخّر حُلُمُكَ بإنجازِ الجزءِ الثالثِ من مؤلَّفِكَ الملحميِّ الذي رغِبْتَ بتخصيصه لدراسةِ المرحلةِ المغرِبيةِ منْ مراحلِ الفلسفةِ العربيةِ الإسلامية، بخاصةٍ دراسة فكرِ “إبن رشد” الذي وصَفْتَه أنت بـ”ذُروةِ نضوجِ الفلسفةِ العربيةِ الإسلامية”… لقد كنتَ مقتنعاً “بثقةٍ عظيمة، أنَّ قضيةَ حزبِكَ وقضيةَ فكرِكَ وقضيةَ وطنِكَ، قضيةٌ واحدةٌ ليس فيها ثُنائية ..” كنتَ مقتنعاً بثقةٍ عظيمة، أنَّ نضالَكَ لقضيةِ فكرِكَ وقضيةِ حزبِكَ ولقضيةِ الوطن، نضالٌ واحدٌ ليس فيه ثنائية ..”، لذا فأنتَ تحملُ شرَفَ الاستشهاد .. وتحمله تحت رايةِ القضيةِ الواحدة والنضالِ الواحد …
****
قبل استشهاده بسنتين، صُدمَ حسين مروة – والعائلة – بفقدانِ حفيدٍ له من إحدى بناته (فريدة) وهو في السابعة عشر من عمره .. ثم في العام الذي تلاه صُدِم من جديد بفقدان حفيدته من ابنته الكبرى (أمل) وكانت في السادسة عشر من عمرها … وسبّب فقدُهما أكبرَ الألم في حياته، كونه كان متعلّقاً بأحفاده كما بأبنائه … لكن الصدمةَ الأكبرَ كانت أشدَّ مرارةً هذه المرة: حصولُ فعل الاغتيال في العام التالي لوفاة الحفيدة .. أصابت هذه الفاجعة قلب العائلة والأصدقاء والأحباء في مختلف أرجاء المعمورة .. استمرتْ هذه المأساة تلفّ العائلة وتهزّ كيانها، وظلّ الحزنُ مخيماً عليها إلى أن حدث ما لم يكن في الحسبان … فقد حصلت صدمةٌ مفاجئة ضاعفت الحزن أكثر فأكثر، خاصةً على الوالدة المنكوبة .. فبعد استشهاد الوالد بخمسِ سنواتٍ ونيّف حصلت وفاةُ الشقيقِ الأكبر، نزار، وكان لم يتجاوز بعدُ الستين من عمره .. ومن لا يعرفُ المفكّر العبقري نزار مروة: الناقد الموسيقي اللامع، و”المرجع الأهم في النقد الموسيقي في الشرق الأوسط” كما وصفه أكثر عارفيه … ؟! توفي نزار تاركاً طفلين صغيرين “ياسمين” الحلوة التي أصبحت مهندسة ميكانيك مهمة جداً، والرائع “حسين” الذي تخصص في هندسة الكومبيوتر…
مضت ثلاثُ عشرة سنة والوالدة المفجوعة أم نزار تعيش المآسي والحزن الحارق متأثرةً بما حصل ، وقِمةُ حزنها: استشهاد الزوج والحبيب ورفيق الدرب، فالقاتل المجرم نفّذ جريمته أمام عينيها، ولم تكن تدري أنه يحمل مسدّساً كاتماً للصوت صوّبه على جبين الزوج – بخفة – لتخرجَ الرصاصةُ من أذنه .. ومن شدّةِ حقده دفع الزوجَ على أم نزار قائلاً بالحرف الواحد: “إسْتلقَّي” …!! التصق جسدا الزوجيْن مضرّجيْن بدماء الشهيد حتى غمرتْ سجادةَ غرفةِ النوم، مكان الجريمة … لكنْ يا أم نزار، ثقي – وأنتِ في مرقدكِ – بأنّ دمَ رفيقِ دربِكِ سيبقى يسيل ويرتدّ حقداً أسودَ على المخططينَ والجناةِ على السواء … لكأنّ الوجودَ هو ملكُهُم وحدُهًم هؤلاء العبيد الجبناء الجهَلة وملكٌ لأسيادهم، أعداءِ الحريةِ والفكرِ والتطور … هذه هي أم نزار زوجةُ الشهيد حسين مروة، حائزة لقب “الأم البطلة” في الاتحاد السوفياتي، أثناء وجودها هناك لفترةِ سنتين، إلى جانب أبي نزار، مقدّمةً له ما استطاعت من الدعم المعنوي وتأمين الراحةِ له .. هذا اللقب – الوسام تشرّفتْ بنيله مستحقّةً إياه، كونها أنجبتْ تسعةَ أبناء أصحاء وذلك حسب القانون السوفياتي … أم نزار، الأم البطلة التي كانت خيرَ صديقةٍ ورفيقةٍ وداعمةٍ لزوجها، وخيرَ أمٍ لأبنائها، وخيرَ جدّةٍ لأحفادها الرائعين …
الى روحكِ وإلى روحِ الشهيد حسين مروة ألف تحية .

هناء حسين مروة
المصدر مجلة النداء/ العدد 283/

Facebook Comments

POST A COMMENT.