عقد وزير الخارجية جبران باسيل مؤتمرا صحافيا ، استعاد فيه موضوع العلاقات مع الدول العربية، مذكرا بالبيان الوزاري للحكومة الذي يرسم سياستها الداخلية والخارجية، وقال: “إن أي تغيير في هذه السياسة يجب أن يصدر عن قرار من مجلس الوزراء أو عبر تغيير البيان الوزاري، الأمر الذي نتقيد به. وعلى هذا الأساس، يقول البيان الوزاري بنأي لبنان عن الأزمات المجاورة. واليوم، إن البيان الذي صدر عن الحكومة أعاد اعتماد هذا النص كما هو. “الأزمات المجاورة” بكل ما لها من انعكاسات داخلية تؤدي الى إصابة لبنان بمشاكل وانقسامات داخلية. وعلى هذا الأساس، تصرفنا منذ تسلمنا لمهامنا في وزارة الخارجية”.
أضاف: “إن موضوع الصراع القائم في المنطقة بين السعودية وإيران ليس جديدا، بل هو متراكم، وطبعا هناك أحداث تجعل الكيل يطفح، ويفيض بما فيه من احتقان، وهذا ما حصل بمناسبات عدة منها موضوع البحرين. وعندما قلنا في الجامعة العربية إن هذا ليس موقف لبنان ونحن، كوزارة خارجية، نعبر عن موقف الحكومة اللبنانية، وصدر بعد ذلك بيان فيه إدانة لحزب الله، فاعترضنا عليه وامتنعنا عن التصويت. وفي السياق ذاته، أتى موضوع الاعتداء على السفارة السعودية في إيران، فدانت الخارجية ذلك قبل يومين من اجتماع الجامعة بكلام واضح، وجددت إدانتها هذه في الجامعة. وكانت ثمة نقطتان ثابتتان:
أولا: إدانة التعرض للبعثات الديبلوماسية، ومن الطبيعي أن نلتزم بهذا الأمر، انطلاقا من الاتفاقات الدولية والتضامن مع المملكة العربية السعودية.
ثانيا: عدم التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية، وما ينص عليه ميثاق جامعة الدول العربية واضح، ومن مصلحة لبنان أن يلتزم به، لكي لا يتم التعرض لشؤونه الداخلية أيضا، فهاتان الثابتتان التزمنا بهما طوال هذه المرحلة، وكتبنا موقفنا بالاتفاق مع رئيس الحكومة ووقعناه وسلمناه للجامعة العربية لكي لا يحصل أي خطأ. وللتأكيد على موقفنا الذي أدلينا به، واحتراما للتضامن العربي والتزاما بسياسة الحكومة القائمة على النأي بلبنان، قلنا إننا نمتنع عن التصويت، وننأى بنفسنا عن القرار ونعترض على البيان الذي ذكر “حزب الله” بالإسم. وتكرر الأمر في اجتماع منظمة التعاون العربي -الإسلامي في جدة، ثم في المؤتمر العربي – الهندي في البحرين، إنما تم الاكتفاء بالنقطتين اللتين ذكرتهما فأيدناهما لأنهما ضمن الموقف الطبيعي ولم يذهبا الى أبعد من ذلك، أي إدانة إيران لأعمالها في سوريا وفي أماكن أخرى من المنطقة، دعم الارهاب، تسليح جماعات لبنانية وغير لبنانية، وأمور تتعلق بالشؤون الداخلية للدول العربية، لا سيما المملكة العربية السعودية، فقلنا إن لبنان ينأى بنفسه في هذا المجال”.
وعدد الوزير باسيل “المواقف الإعلامية التي صدرت عن وزارة الخارجية خلال شهري كانون الثاني وشباط، والتي تضمنت إدانة الاعتداء على السفارة السعودية في إيران ورفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية”، وقال: “عندما لم تتم الاستجابة، أعلنا موقفا من داخل السراي الحكومي، وأكدنا هذا الأمر”.
وأكد أن “كل الصرخة السياسية المفتعلة هدفها رخيص للنيل السياسي الداخلي ولا يتعلق بما حدث مع الدول العربية، وهذا لا يعني أنه ليست لدينا مشكلة حقيقية اليوم مع الدول العربية إذا لم تشأ أن تتفهم الموقف اللبناني، لأن حماية لبنان واستقراره قامت على فكرة تفهم الدول العربية بأن صون الوحدة الداخلية يقوم على “النأي بالنفس”، ولا تطالب لبنان بمواقف لا يستطيع تلبيتها، علما أن ثمة أطرافا عدة في الداخل خرجت بممارستها الفعلية عن موضوع “النأي بالنفس” ومارست تدخلات كثيرة منها التدخل العسكري الحربي، ومنها تدخلات أخرى سياسية ومالية وغيرها في الأزمة السورية وسواها، إنما يبقى الموقف الجامع الرسمي للحكومة هو الذي تعبر عنه رئاسة الحكومة ووزارة الخارجية والحكومة مجتمعة، وهذا لم يحد قيد إنملة عن الخط البياني المرسوم له”.
ولفت باسيل الى أن “هناك مشكلة اليوم، لأن ما نطالب به هو أبعد من ذلك، إما أن نكون في أحد المحورين، الحلف الإيراني لمحاربة الإرهاب أو السعودية بمعركتها ضد إيران، وبالتالي نكون قد خرجنا من سياسة “النأي بالنفس”. وهذا الأمر يستحق النقاش طبعا، وهذا ما دعونا الى مناقشته في جلسة الوزراء الماضية ولم يتم. وفي جلسة اليوم صدر بيان جيد عن الحكومة، وهو يُشكل استجابة لمطلبنا، لكن موقف الخارجية متقدم أكثر في هذا السياق. كل الصرخة التي صدرت لم ندري لماذا، إنما هذه هي حقيقة الموقف”.
أضاف: “إن النقاش الحقيقي يجب أن يتم على الفكرة الآتية: هل سيتخلى لبنان عن سياسة تحييد نفسه عن المشاكل الخارجية؟ لقد صارع كثيرا على هذه العبارة (حياد- تحييد) منذ قيام لبنان، ويعتقد البعض أن فيه فائدة. لقد تم الرسو على عملية التحييد التي ممارستها تدفع البلد أثمانا، ونحن اليوم ندفع الثمن أيضا ونخط بثمن التهجمات السياسية وتزوير الحقيقة والاجحاف الذي يطال وزارة الخارجية، وذلك لتكريس سياسة لبنانية مستقلة، وتحييدية للبنان عن المشاكل التي لا يستطيع احتمالها. دخل على هذه الفكرة اليوم في مجلس الوزراء إضافة عبارة “النأي بالنفس فقط عن سوريا”، وإذ صدر بالبيان “النأي بالنفس عن أزمات المنطقة المجاورة”، وهذا الأمر واضح، فقط سقطت عبارة “عن سوريا فقط”. كما أن فكرة “الإجماع العربي” هو الأولوية، وهذه نقطة أساسية جدا، نحن معه وموقف “النأي بالنفس” هو أقل موقف ممكن أن نتخذه لكي لا يمس بالقرار الذي كان سيصدر ولا بالإجماع العربي، هو موقف “محو الذات” والإنسحاق الكامل والاختفاء”.
واردف: “لم يعد لدينا ما نقوله، حتى أقل من امتناع وليس اعتراضا طبعا أو تصويتا، “لا شيء”، بل “انسحاب من الوجود” لتمرير القرار وكأن لا أحد يعترض أو يتحفظ حتى. إن البيان أو القرار بالمحطات كافة فيه الكثير من الأمور الخلافية ما بين اللبنانيين، فإذا أردنا قول على ماذا نريد أن نتحفظ، فنحن نفتح على عناوين كثيرة منها: تدخل إيران في سوريا، تدخل إيران في دولة عربية ثانية، تسليح إيران ودعمها للإرهاب، والإجراءات الداخلية لأي دولة. إذا كنا سنتدخل في كل من هذه المواضيع، فنحن نتدخل بشؤون لا تعنينا، في الوقت الذي نطالب فيه بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”.
وسأل وزير الخارجية: “هل الإجماع العربي أهم من أي شيء آخر؟ هذا هو الموقف الذي استندنا عليه، الإجماع العربي يقابله الوحدة الوطنية، ونحن نختار وننحاز للوحدة بما تعنيه من عدم تفجير البلد وعدم المساس باستقراره وعدم الحفاظ عليه وعلى لحمته، وليس أمرا اعتباطيا. ما وُضع أمامنا في الفترة الماضية، واليوم في مجلس الوزراء، عميق وحقيقي، حصلت مصارحة حقيقية وطرحه أمر شرعي. هل الإجماع العربي هو أولوية على أي مكون داخلي في لبنان، إجماع عربي ضد فريق لبناني، أو ضد لبنان أو ضد مصلحته او ضد وحدته، هل نسير به؟ هذا النقاش حُسم اليوم في بيان مجلس الوزراء الذي تحدث عن “الإجماع العربي ضمن المصلحة الوطنية العليا، وبما يصون الوحدة الوطنية”. وقد اكتفينا وأخذنا حقنا في هذا الموضوع. أفترض أنه لن يكون موضوع إجماع بين اللبنانيين، إنما لكي لا يبقى موضوع ابتزاز ومبارزة سياسية في الخارج بكل التصريحات التي يمكن أن نسمعها”.
وقال: “نقوم بأقل واجباتنا ولكن هذا لا يعني أن القضية انتهت بالبيان الذي صدر اليوم. علينا أن نعرف أننا في صراع محتدم ومتصاعد، وبغض النظر عما إذا كان موقفنا يفيد أم لا، هو موقف واجب علينا اتخاذه لأن من الطبيعي أن يتخذه لبنان وقد تأخر في ذلك. وبحسب رأينا في الخارجية يمكن أن يكون هناك أكثر، لكنه جيد لأن عليه إجماعا وتوافقا داخليا. هل يكفي لصد “الزعل” منا، وجرى التعبير عنه بإيقاف المساعدة، إذا كان كافيا فعظيم، وإذا لم يكن كافيا، فالموضوع يتوجب المزيد من التفكير لمعرفة ما هي أولوياتنا الوطنية وخياراتنا، في الوقت الذي نعيد التأكيد فيه على أننا حريصون على العلاقات العربية، وأكثر من حريصين على اللبنانيين في لبنان والخارج، ولا نريد التدخل في أي شأن خارجي لأي دولة عربية، وإنما نريد تفهما لوضعنا الداخلي الذي نقول فيه بكل وضوح إننا لا نريد أن نكون مع أحد ضد مصلحة لبنان، ولا نريد التحيز إلا بالقضايا المحقة، إنما بصراعات فيها إحتدامات كبيرة، من المناسب تفهم موقفنا”.
واشار باسيل الى أن “جيشنا بحاجة للأسلحة لأنه يدافع عن لبنان وكل العرب وعن المجموعة الدولية بكاملها، لأن الإرهاب يطال الجميع. وكل الذين سوقوا وصاغوا مواقف بطولية كبيرة في موضوع حياد لبنان وتحييده، يجب أن نسمعهم اليوم، لأنها ليست عملية إختيارية، فإعلان بعبدا وُضع لتحييد لبنان ومنع التهريب الأسلحة الى سوريا، وعندما أصبح لوقف إدخال المقاتلين الى سوريا أصبح الفريق الذي يؤيده ضده، والعكس صحيح. والأمر نفسه ينطبق على سياسة النأي بالنفس، فمن كان يريدها أصبح اليوم ضدها، والعكس صحيح. عادة المواقف تتخذ بحسب الظروف إنما اعتماد مثل هذا القرار يجب أن يكون سقفه المصلحة الوطنية”.
المصدر: وطنية – جدار
POST A COMMENT.