ميسون حمزة ||
الى روح أبي… (1)
لا ذكريات تنفع طفلة صغيرة تبحث عن أمل….
صقيع بارد سيلفني هذه الليلة وأنا أعلم أنك هناك ترقد بسلام دافيء بعيدا عن سخط هذا الكون….
هناك حيث أنت آمن ونحن هنا نعيش بقلق… نحن هنا نوقد الذكريات في البال كما نوقد حطبا كي ندفأ وكي تهدأ أجسادنا من خوف قادم في داخلنا لا محالة..
لا أعلم من أين تنبع لدى الأطفال فكرة أن أهلهم أبطال لا يموتون كما في الاساطير، وأنهم دائما سيمسكون بيد أولادهم قبل وصولهم الى الأرض عندما يقعون في رعب كوابيس نومهم….
وبقيت هناك طفلة وخذلتني تلك الفكرة ورحلت وحدك هناك في ليل بارد بهدوء وصمت، هناك بعيدا وحدك عن صخب الحياة وبشاعة الحرب والبشر، كان الليل ماطرا وكان الجو باردا ومازلت حتى الآن أتخيل تلك اللحظة واشتهي لو برهة حملتني العاصفة إليك ﻷمسح عن وجهك تعرقات اللحظة الأخيرة وأنت تبتسم بهدوء والروح تخرج منك بإنسيابية…
أعلم مليا أنك لم تخف تلك اللحظة، وأنك كنت تنتظرها بشجاعة كما كنت تقول دائما… وكما دوما واجهت الموت وخذلته لكنه عاد وخذلك…كنت أظنك ستبقى حاضرا جاهزا أبدا كي تقول ويتردد صوتك عاليا راعدا “يا بيي الحياة تجربة ما بتلبق للكل….في كتير ناس بتفكريهن عايشين وهني أصلا ميتين…” لماذا لم تنتظر قليلا بعد؟ ألا ترى أنك بكرت في هذا الرحيل ؟
ما تاري الأحبة ع غفلة بروحوا وما بيعطوا خبر….
الى روح أبي… (2)
يرحلون بصمت…وهم غزاة الذاكرة في كل حين.
يمضي العام وكأنهم ما زالو أحياء بيننا، ينبشون بكل ما في الماضي من تفاصيل موجعة ومفرحة،يبتسمون بصمت ويمضون كنسيم بارد وكأنهم ما كانوا هنا، وكأنهم يخرجون من حلم دافيء.. وتفاجأ ان العام يمضي خلف العام وان صدى صوتهم يتردد في الزوايا ويزداد وقعا كلما مر عام….
تحاكيهم بعتب كبير وجرح على فراق ما زال طعمه مر تحت اللسان، وتغضب لأنهم رحلوا دون انذار ، تتهمهم بالانانية لأنهم ارادوا اختبار وقع حضورهم في الغياب، ولأنهم تركوك وحيدا تعانق صورا في البال المرهق و تصمت لأنك تعجز عن متابعة التفكير بجرأتهم وتعجز حتى عن البوح سرا انهم كانوا الاقوى وربحوا الجولة كما ارادوا ومضوا في حالهم دون الاذن بالرحيل….لهؤلاء فقط الذين يليق بهم الموت بجرأة وهدوء وبعيدا عن ضجيج الألم كما كانت تليق بهم الحياة..هؤلاء الذين ما خافوا الرحلة ولا خافوا صدى الصمت يرتد نحوهم في رحلتهم الاخيرة نحو العدم…
اليك ابي كل الورود في الذاكرة وكل الابتسام ولروحك السلام وان ما زال يؤلمني أنين الغياب في اذني كلما دندن اللسان” ما تاري الاحبة ع غفلة بروحو وما بيعطو خبر..”
POST A COMMENT.