انتخابات البقاع بعد الطائف: محادل سوريّة تصنع زعماء

عفيف دياب ||
خسر البقاع، بين 1976 و1989، 6 من النواب الذين انتخبوا عام 1972. فكانت جلسة ملء الشواغر عنواناً لبدء صراع نيابي بقاعي بقي تحت سقف الضوابط السوريّة للخلافات اللبنانيّة ــ اللبنانيّة . يروي أحد نوّاب محافظة البقاع أن خلافات سياسية عصفت بجلسة مجلس الوزراء الاستثنائية المخصصة لتعيين النواب، ما اضطر الرئيس الراحل الياس الهراوي إلى الاستعانة باللواء غازي كنعان (كان برتبة عقيد) لمساعدته على تسهيل عملية تعيين النواب. فانسحب الوزير سامي الخطيب لمصلحة عبد الرحيم مراد، وتخلى الهراوي عن صديقه شوقي فاخوري لمصلحة ايلي الفرزلي، وحل فيصل الداوود محل والده في راشيا. ونجح الرئيس الهراوي في تعيين نجله روي مكانه. وقد أرّخت تلك الجلسة لبدء التدخّل السوري المباشر في الحياة السياسية البقاعيّة. وكان البقاع قد استفاد من زيادة عدد النواب، فارتفعت حصته من 15 مقعداً إلى 23 مقعداً مما سهّل على «الوصاية السورية» إرضاء كل حلفائها البقاعيين في انتخابات 1992 التي أشرفت عليها حكومة الرئيس رشيد الصلح ووزير الداخلية يومها سامي الخطيب، المرشّح عن أحد المقعدين السنّيين في البقاع الغربي وراشيا (خاض رئيس الحكومة و15 وزيراً من حكومته الانتخابات من أصل 24 وزيراً). وبعدما مانع كنعان ترشيح الهراوي لنجله روي وصديقه شوقي فاخوري في زحلة، عاد ووافق نتيجة نجاحه بتأليف لائحة ثانية تنافس اللائحة المدعومة من الرئيس الهراوي الذي تحالف مع الياس سكاف (ترأس اللائحة) ومعهما نقولا فتوش، محسن دلول، روي الهراوي، شوقي فاخوري، محمد علي الميس، ووارتكس خوشيان. وقد أشرف كنعان على إسقاط نجل الرئيس الهراوي روي وصديقه شوقي فاخوري ليقول إن سوريا لم تتدخل، والدليل سقوط نجل رجلها الأول في لبنان، ولإعطاء صدقيّة للهراوي في الشارع المسيحي المقاطع للانتخابات. أما في البقاع الغربي وراشيا، فقد نجح كنعان وفريقه الأمني اللبناني ـــــ السوري في جمع حلفائه وأصدقائه بلائحة واحدة ضمّت عبد الرحيم مراد وإيلي الفرزلي ووزير الداخلية سامي الخطيب ومحمود أبو حمدان وفيصل الداوود وروبير غانم. وكوّن فاروق دحروج رأس حربة مواجهة لهذه اللائحة خلافاً للإرادة السورية التي بدأت تقليم أظافر الحزب الشيوعي منذ أن منعت حلفاء الحزب في حكومة الوحدة الوطنية من التصويت لجورج حاوي في جلسة تعيين النواب سنة 1991. وفي النتيجة، نجحت «لائحة غازي كنعان» في البقاع الغربي وراشيا، وتحقّقت أمنيته كاملة في بعلبك ـــــ الهرمل إثر مشاركة حزب الله في الانتخابات، خلافاً لكل التوقعات، حيث ألّف لائحة الوفاء للمقاومة التي واجهت لائحة الرئيس حسين الحسيني المتحالف مع حركة أمل. وقد فوجئت كل القوى السياسية بفوز حزب الله بثمانية مقاعد من عشرة وفوز الحسيني فقط مع عضو لائحته يحيى شمص. ونتيجة لتلك الانتخابات، وبعد تجاهل طلبه عقد جلسة استثنائية لمجلس الوزراء للنظر في موضوع انتخابات بعلبك ـ الهرمل، استقال الحسيني من رئاسة مجلس النواب وعضويته، لكنه عاد لاحقاً عن الاستقالة وغاب عن جلسة انتخاب نبيه بري رئيساً لمجلس النواب. وعلى المسار نفسه الذي رسمته انتخابات 1992، جرت انتخابات 1996 على أساس البقاع دائرة انتخابية واحدة حيث سيطر مصطلح «المحدلة» الذي أطلقه الرئيس نبيه بري. وفي 15 أيلول 1996 انتخب «البقاعيون» 23 مرشّحاً من أصل 134 مرشحاً، فتواجهت على أرض السهل 4 لوائح: الأولى لائحة الوفاق والوحدة الوطنية وضمّت تحالف حزب الله والرئيس حسين الحسيني وحزبي البعث والقومي وحركة أمل وإلياس سكاف وعبد الرحيم مراد. وقد ضمنت هذه اللائحة الفوز بحكم جمع السوري كل الأضداد والإخوة الأعداء في لائحة واحدة مكتملة كانت تقابلها لائحة الشعب (غير مكتملة) المدعومة من تحالف الحزب الشيوعي والبير منصور ورفعت المصري وشبلي العريان وهنري شديد، إضافة إلى لائحتين غير مكتملتين. ورغم إعطاء تحالف «المحدلة» انطباعاً أن فوزه حتمي، فرضت النتائج على السوريين إعادة الفرز وتأخير إعلان النتائج. فالمرشح إسماعيل سكرية الذي أُخرِج في آخر ربع ساعة من لائحة «المحدلة»، خرق ائتلاف الأقوياء بعدما حاز عطفاً شعبيّاً منقطع النظير في كل البقاع، ممّا أربك الجميع وأخّر إعلان النتائج التي أعطت أيضاً فوزاً لمرشّح لائحة الشعب هنري شديد على حساب مرشّح لائحة الوفاق روبير غانم الذي طعن بالنتائج، ثم فاز بالتزكية بعد انسحاب شديد من المعركة في آخر لحظة. وقد أظهرت نتائج 1996 استحالة إبقاء البقاع دائرة انتخابية واحدة. فكان الإجماع السياسي على تقسيم البقاع إلى 3 دوائر في قانون انتخابات الألفين أو المشهور بقانون غازي كنعان. الأمر الذي سمح بإعادة القوى إلى أحجامها الطبيعية، وبقي بالتالي كل «خيّال» يسابق خصمه على أرض ميدانه. ويقول نائب سابق إن انتخابات العام ألفين أبقت القديم على قدمه مع بعض التعديلات الطفيفة في أسماء عدد من النواب. ففي دائرة البقاع الغربي وراشيا، تلقت لائحة عبد الرحيم مراد دعماً منقطع النظير من الرئيس رفيق الحريري الذي وفّر أيضاً دعماً للائحة النائب سكاف في زحلة. أمّا في بعلبك ـ الهرمل، فإن تحالف حزب الله وحركة أمل استمر مهيمناً على الدائرة، ومحدّداً النتائج سلفاً. نجح السوريون في إدارة معركة البقاع الغربي وراشيا بعدما سمح للحريري بالدخول إلى المنطقة إثر تهديد المرشح فاروق دحروج لمسار لائحة مراد، حيث كان سامي الخطيب الحلقة الأضعف. فتدخل رجال الدين علناً ومن على منابر المساجد داعين الناس إلى عدم الاقتراع للمرشح «الكافر» فاروق دحروج. معركة انتخابات الألفين في البقاع الغربي وراشيا كانت وحدها العلامة الفارقة في كلّ البقاع، وكانت المرّة الأولى التي يُسمح فيها للرئيس الحريري بالتدخّل دعماً لمن أراده جهاز الاستخبارات السورية نائباً في برلمان الألفين و«طرد» منه في انتخابات 2005 على أيدي مناصري الحريري الذي استشهد في شباط 2005. مثّل اغتيال الرئيس الحريري مادّة دسمة في تغيير مسار ومصير انتخابات ربيع 2005 في لبنان والبقاع. ففي البقاع الغربي وراشيا، انتقم أنصار الحريري ممن دعمهم في انتخابات الألفين. فسوريا التي خرجت من لبنان، خرج معها من البرلمان من كانوا يعدّون من الثوابت في البقاع. وفي زحلة صمد تحالف سكاف ـ التيار الوطني الحر في مواجهة تحالف قوى 14 آذار وحقق فوزاً كبيراً ستحدّد انتخابات 2009 مساره ومصيره. انتخابات 1968 – 1972 كانت انتخابات 1968 أشبه بحرب بين الزعماء المحليّين الذين أصبحوا أكثر خبرة ومعرفة في استخدام المال وشراء الأصوات وبيع المقاعد في لوائحهم، وبين القوى الرافضة لهذا الواقع في زحلة والبقاع عموماً. فخسر الفريق الأول ممثلاً بجوزف سكاف والياس الهراوي. ولم يلبث سكاف أن استعاد في دورة 1972 ما نُزع منه، عبر التحالف مرة جديدة مع الحزبية الهراوية ممثلة بالياس الهراوي.
 
1/9/2008

Facebook Comments

POST A COMMENT.